قال العلامة الشيخ/ حمود بن عبد الله
التويجري:
[[ومن المنكرات الظاهرة أيضًا لبس ملابس أعداء الله تعالى؛ كالسترة والبنطلون والقبعة والكبك والكرتة وغير ذلك مما فيه مشابهة لأعداء الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «من تشبه بقوم فهو منهم» وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا, لا تشبهوا باليهود, ولا بالنصارى» وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ثوبين معصفرين, وقال:«إن هذه من ثياب الكفار, فلا تلبسها».
فدل هذا الحديث الصحيح على أنه لا يجوز لبس ثياب الكفار كالبرنيطة والسترة والبنطلون والكبك والكرتة وغير ذلك من ملابس أعداء الله تعالى.
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «أأمك أمرتك بهذا» قلت أغسلهما. قال: «بل احرقهما».
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له: «اذهب فاطرحهما عنك» قال: أين يا رسول الله؟ قال: «في النار».
وإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم في لبس الثوبين المعصفرين, فكيف بلبس البرنيطة والسترة والبنطلون والكرتة وغير ذلك من ملابس أعداء الله تعالى أولى بالمنع لما فيه من مزيد المشابهة لأعداء الله تعالى والتزيي بزيهم, والله أعلم(1)]].
وقال الشيخ حمود(2):
[[لبس البرنيطة التي هي من لباس الإفرنج ومَن أشبههم من أمم الكفر والضلال، وتسمى أيضًا القبعة، وقد افتُتِن بلبسها كثير من المنتسبين إلى الإسلام في كثيرٍ من الأقطار الإسلامية، ولا سيما البلدان التي فشتْ فيها الحرية الإفرنجية وانطمست فيها أنوار الشريعة المحمدية.
ومن ذلك أيضًا الاقتصار على لبس السترة والبنطلون، فالسترة قميصٌ صغيرٌ يبلغ أسفله إلى حدِّ السرَّة أو يزيد عن ذلك قليلاً، وهو من ملابس الإفرنج، والبنطلون اسمٌ للسراويل الإفرنجية، وقد عظمت البلوى بهذه المشابهة الذميمة في أكثر الأقطار الإسلامية.
ومَن جمع بين هذا اللباس وبين لبس البرنيطة فوق رأسه فلا فرق بينه وبين رجال الإفرنج في الشكل الظاهر، وإذا ضمَّ على ذلك حلق اللحية كان أتمَّ للمشابهة الظاهرة، ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم كما تقدَّم في حديث عبدالله بن عمر - رضِي الله عنهما - وتقدَّم أيضًا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضِي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منَّا مَن تشبَّه بغيرنا)).
وتقدَّم أيضًا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في "الزهد" عن عقيل بن مدرك قال: أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل: قل لقومك: لا يأكلوا طعام أعدائي ولا يشربوا شراب أعدائي ولا يتشكَّلوا شكل أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
وتقدَّم أيضًا ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن مالك بن دينار قال: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن قل لقومك: لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
فإن ادَّعى المتشبِّهون بأعداء الله - تعالى - أنهم إنما يلبسون البرنيطات لتكون وقاية لرؤوسهم من حرِّ الشمس، ويلبسون البنطلونات والقمص القصار لمباشرة الأعمال، قيل: هذه الدعوى حيلة على استحلال التشبُّه المحرَّم والحِيَل لا تُبِيح المحرَّمات، ومَن استحلَّ المحرمات بالحِيَل فقد تشبَّه باليهود؛ كما في الحديث الذي رواه ابن بطة بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلُّوا محارم الله بأدنى الحيل))، والدليل على تحريم التشبُّه بأعداء الله - تعالى - ما تقدَّم من حديث عبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهم.
وقد ورد الأمر بمخالفة أهل الكتاب في لباسهم والأمر للوجوب، وترك الواجب معصية؛ فروى الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار... فذكر الحديث وفيه: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يتَّزرون فقال: ((تسرولوا واتَّزروا وخالفوا أهل الكتاب)).
وروى الإمام أحمد أيضًا وأبو داود الطيالسي ومسلم والنسائي عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضِي الله عنهما - قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: ((إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)).
وفي رواية لمسلم قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال: ((أأمُّك أمرتك بهذا؟))، قلت: أغسلهما؟ قال: ((بل احرقهما)).
وفي رواية للنسائي عنه -رضي الله عنه- أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان معصفران فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((اذهب فاطرحهما عنك))، قال: أين يا رسول الله؟ قال: ((في النار)).
وهذا الحديث الصحيح صريحٌ في تحريم ثياب الكفار على المسلمين، وفيه دليل على المنع من لبس البرنيطات وغيرها من ملابس أعداء الله - تعالى - كالاقتصار على لبس البنطلونات والقمص القصار وغير ذلك من زي أعداء الله - تعالى - وملابسهم؛ لوجود علة النهي فيها... وفي غضب النبي صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهما - وأمره بطرح ثوبيه في النار أبلغ زجر عن مشابهة الكفار في زيِّهم ولباسهم.
وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أأمُّك أمرتك بهذا؟)) أبلغ ذم وتنفير من التشبُّه بأعداء الله - تعالى - والتزيِّي بزيهم.
وقد جعل الله - سبحانه وتعالى - للمسلمين مندوحةً عن مزاحمة أعداء الله - تعالى - في لباسهم والتشبُّه بهم، فمَن أراد وقايةً لرأسه ففي لباس المسلمين ما يكفيه، ومَن أراد ثيابًا للأعمال فكذلك، ومَن أراد ثيابًا للزينة والجمال فكذلك، ومَن رغب عن زيِّ المسلمين ولم يتَّسع له ما اتَّسع لهم من الملابس المباحة فلا وسَّع الله عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
قال الشيخ أحمد محمد شاكر في الكلام على حديث عبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهما -: هذا الحديث يدلُّ بالنصِّ الصريح على حرمة التشبُّه بالكفار في اللبس وفي الهيئة والمظهر، كالحديث الآخر الصحيح: ((ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم)).
ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا؛ أعني: في تحريم التشبُّه بالكفار حتى جئنا في هذه العصور المتأخِّرة فنبتت في المسلمين نابتة ذليلة مستعبدة هجيراها وديدنها التشبُّه بالكفار في كلِّ شيء والاستخذاء لهم والاستعباد، ثم وجدوا من الملتصقين بالعلم المنتسبين له مَن يزيِّن لهم أمرهم ويهوِّن عليهم أمر التشبُّه بالكفار في اللباس والهيئة والمظهر والخلق وكلِّ شيء، حتى صرنا في أمةً ليس لها من مظهر الإسلام إلا مظهر الصلاة والصيام والحج على ما أدخلوا فيها من بِدَع، بل من ألوان من التشبُّه بالكفار أيضًا، وأظهر مظهر يريدون أن يضربوه على المسلمين هو غطاء الرأس الذي يسمُّونه القبعة (البرنيطة)، وتعلَّلوا لها بالأعاليل والأباطيل، وأفتاهم بعض الكُبَراء المنتسبين إلى العلم أن لا بأس بها إذا أُرِيد بها الوقاية من الشمس، وهم يأبون إلا أن يظهروا أنهم لا يريدون بها إلا الوقاية من الإسلام، فيصرح كُتَّابهم ومفكِّروهم بأن هذا اللباس له أكبر الأثر في تغيير الرأس الذي تحته ينقله من تفكير عربي ضيِّق إلى تفكير إفرنجي واسع، ثم أبى الله لهم إلا الخذلان، فتناقضوا ونقضوا ما قالوا من حجة الشمس إذ وجدوا أنهم لم يستطيعوا ضرب هذه الذلَّة على الأمة، فنزعوا غطاء الرأس بمرة تكروا الطربوش وغيره، ونسوا أن الشمس ستضرب رؤوسهم مباشرة دون واسطة الطربوش، ونسوا أنهم دعوا إلى القبعة وأنه لا وقاية لرؤوسهم من الشمس إلا بها.
ثم كان من بضع سنين أن خرج الجيش الإنجليزي المحتلُّ للبلاد من القاهرة والإسكندرية بمظهره المعروف، فما لبثنا أن رأيناهم ألبسوا الجيش المصري والشرطة المصرية قُبَّعات كقُبَّعات الإنجليز، فلم تفقد الأمة في العاصمتين وفي داخل البلاد منظر جيش الاحتلال الذي ضرب الذلة على البلاد سبعين سنة، فكأنهم لم يصبروا على أن يفقدوا مظهر الذلِّ الذي أَلِفوه واستساغوه ورُبُّوا في أحضانه، وما رأيتُ مرَّة هذا المنظر البشع منظر جنودنا في زيِّ أعدائنا وهيئتهم، إلا تقزَّزتْ نفسي، وذكرت قول عميرة بن جعل الشاعر الجاهلي يذم قبيلة تغلب:
إِذَا ارْتَحَلُوا عَنْ دَارِ ضَيْمٍ تَعَاذَلُوا = عَلَيْهِمْ وَرَدُّوا وَفْدَهُمْ يَسْتَقِيلُهَا
انتهى كلامه - رحمه الله تعالى.
وما ذكره - رحمه الله تعالى - من تشبُّه الجيش المصري والشرطة المصرية بالجيش الإنجليزي ليس هو مما انفرد به المصريون، بل قد شاركهم فيه كثيرٌ من المسلمين والمنتسبين إلى الإسلام؛ فألبسوا جيوشهم وشرطهم مثل لباس الإفرنج، ولم يبالوا بقول النبي r: ((مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم))، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهذا التشبُّه القبيح والانحراف عن زيِّ المسلمين والتزيِّي بزيِّ أعداء الله - تعالى - كله من آثار بطانة السوء، كما في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث الله من نبيٍّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضُّه عليه، وبطانة تأمر بالشر وتحضُّه عليه، فالمعصوم مَن عصم الله - تعالى))؛ رواه البخاري والنسائي.
ولهما أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من والٍ إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، فمَن وُقِي شرَّها فقد وُقِي، وهو من التي تغلب عليه منهما))؛ هذا لفظ النسائي.
وقد رواه الإمام أحمد بنحوه، وعنده في آخره: ((مَن وُقِي شرَّ بطانة السوء فقد وُقِي - يقولها ثلاثًا - وهو مع الغالبة عليه منهما)).
وقد رواه البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي والحاكم، وفيه قصةٌ لأبي الهيثم بن التيهان t وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وروى البخاري أيضًا والنسائي عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((ما بُعِث من نبيٍّ ولا كان بعده من خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، فمَن وُقِي بطانة السوء فقد وُقِي))، هذا لفظ النسائي.
وإذا عُلِم هذا فالواجب على المسلمين كافَّة أن يبعدوا كلَّ البعد عن مشابهة أعداء الله - تعالى - والتزيِّي بزيِّهم في اللباس وغيره.
ويجب على ولاة الأمور أن ينزعوا لباس الإفرنج عن جيوشهم وشُرَطِهم ويُلبِسوهم لباس المسلمين، وينبغي لهم أن يحترزوا من شرِّ بطانة السوء ممَّن يأمرهم بالمنكر ويحضُّهم عليه ويبعدوهم عنهم غاية البعد، والله المسؤول أن يوفِّق ولاة أمور المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وأن يأخذ بنواصيهم إلى الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه]]. اهـ.
حواشي:
1- المرجع: كتاب القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص/133).
2 - المرجع: كتاب"الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين" (79-84) (بتقديم الإمام ابن باز -رحمه الله-)
[[ومن المنكرات الظاهرة أيضًا لبس ملابس أعداء الله تعالى؛ كالسترة والبنطلون والقبعة والكبك والكرتة وغير ذلك مما فيه مشابهة لأعداء الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «من تشبه بقوم فهو منهم» وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس منا من تشبه بغيرنا, لا تشبهوا باليهود, ولا بالنصارى» وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ثوبين معصفرين, وقال:«إن هذه من ثياب الكفار, فلا تلبسها».
فدل هذا الحديث الصحيح على أنه لا يجوز لبس ثياب الكفار كالبرنيطة والسترة والبنطلون والكبك والكرتة وغير ذلك من ملابس أعداء الله تعالى.
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «أأمك أمرتك بهذا» قلت أغسلهما. قال: «بل احرقهما».
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له: «اذهب فاطرحهما عنك» قال: أين يا رسول الله؟ قال: «في النار».
وإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم في لبس الثوبين المعصفرين, فكيف بلبس البرنيطة والسترة والبنطلون والكرتة وغير ذلك من ملابس أعداء الله تعالى أولى بالمنع لما فيه من مزيد المشابهة لأعداء الله تعالى والتزيي بزيهم, والله أعلم(1)]].
وقال الشيخ حمود(2):
[[لبس البرنيطة التي هي من لباس الإفرنج ومَن أشبههم من أمم الكفر والضلال، وتسمى أيضًا القبعة، وقد افتُتِن بلبسها كثير من المنتسبين إلى الإسلام في كثيرٍ من الأقطار الإسلامية، ولا سيما البلدان التي فشتْ فيها الحرية الإفرنجية وانطمست فيها أنوار الشريعة المحمدية.
ومن ذلك أيضًا الاقتصار على لبس السترة والبنطلون، فالسترة قميصٌ صغيرٌ يبلغ أسفله إلى حدِّ السرَّة أو يزيد عن ذلك قليلاً، وهو من ملابس الإفرنج، والبنطلون اسمٌ للسراويل الإفرنجية، وقد عظمت البلوى بهذه المشابهة الذميمة في أكثر الأقطار الإسلامية.
ومَن جمع بين هذا اللباس وبين لبس البرنيطة فوق رأسه فلا فرق بينه وبين رجال الإفرنج في الشكل الظاهر، وإذا ضمَّ على ذلك حلق اللحية كان أتمَّ للمشابهة الظاهرة، ومَن تشبَّه بقوم فهو منهم كما تقدَّم في حديث عبدالله بن عمر - رضِي الله عنهما - وتقدَّم أيضًا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضِي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منَّا مَن تشبَّه بغيرنا)).
وتقدَّم أيضًا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في "الزهد" عن عقيل بن مدرك قال: أوحى الله إلى نبيٍّ من أنبياء بني إسرائيل: قل لقومك: لا يأكلوا طعام أعدائي ولا يشربوا شراب أعدائي ولا يتشكَّلوا شكل أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
وتقدَّم أيضًا ما رواه أبو نعيم في "الحلية" عن مالك بن دينار قال: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن قل لقومك: لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي.
فإن ادَّعى المتشبِّهون بأعداء الله - تعالى - أنهم إنما يلبسون البرنيطات لتكون وقاية لرؤوسهم من حرِّ الشمس، ويلبسون البنطلونات والقمص القصار لمباشرة الأعمال، قيل: هذه الدعوى حيلة على استحلال التشبُّه المحرَّم والحِيَل لا تُبِيح المحرَّمات، ومَن استحلَّ المحرمات بالحِيَل فقد تشبَّه باليهود؛ كما في الحديث الذي رواه ابن بطة بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلُّوا محارم الله بأدنى الحيل))، والدليل على تحريم التشبُّه بأعداء الله - تعالى - ما تقدَّم من حديث عبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهم.
وقد ورد الأمر بمخالفة أهل الكتاب في لباسهم والأمر للوجوب، وترك الواجب معصية؛ فروى الإمام أحمد بإسناد حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار... فذكر الحديث وفيه: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يتَّزرون فقال: ((تسرولوا واتَّزروا وخالفوا أهل الكتاب)).
وروى الإمام أحمد أيضًا وأبو داود الطيالسي ومسلم والنسائي عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضِي الله عنهما - قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: ((إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)).
وفي رواية لمسلم قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال: ((أأمُّك أمرتك بهذا؟))، قلت: أغسلهما؟ قال: ((بل احرقهما)).
وفي رواية للنسائي عنه -رضي الله عنه- أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان معصفران فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((اذهب فاطرحهما عنك))، قال: أين يا رسول الله؟ قال: ((في النار)).
وهذا الحديث الصحيح صريحٌ في تحريم ثياب الكفار على المسلمين، وفيه دليل على المنع من لبس البرنيطات وغيرها من ملابس أعداء الله - تعالى - كالاقتصار على لبس البنطلونات والقمص القصار وغير ذلك من زي أعداء الله - تعالى - وملابسهم؛ لوجود علة النهي فيها... وفي غضب النبي صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهما - وأمره بطرح ثوبيه في النار أبلغ زجر عن مشابهة الكفار في زيِّهم ولباسهم.
وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أأمُّك أمرتك بهذا؟)) أبلغ ذم وتنفير من التشبُّه بأعداء الله - تعالى - والتزيِّي بزيهم.
وقد جعل الله - سبحانه وتعالى - للمسلمين مندوحةً عن مزاحمة أعداء الله - تعالى - في لباسهم والتشبُّه بهم، فمَن أراد وقايةً لرأسه ففي لباس المسلمين ما يكفيه، ومَن أراد ثيابًا للأعمال فكذلك، ومَن أراد ثيابًا للزينة والجمال فكذلك، ومَن رغب عن زيِّ المسلمين ولم يتَّسع له ما اتَّسع لهم من الملابس المباحة فلا وسَّع الله عليه في الدنيا ولا في الآخرة.
قال الشيخ أحمد محمد شاكر في الكلام على حديث عبدالله بن عمرو - رضِي الله عنهما -: هذا الحديث يدلُّ بالنصِّ الصريح على حرمة التشبُّه بالكفار في اللبس وفي الهيئة والمظهر، كالحديث الآخر الصحيح: ((ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم)).
ولم يختلف أهل العلم منذ الصدر الأول في هذا؛ أعني: في تحريم التشبُّه بالكفار حتى جئنا في هذه العصور المتأخِّرة فنبتت في المسلمين نابتة ذليلة مستعبدة هجيراها وديدنها التشبُّه بالكفار في كلِّ شيء والاستخذاء لهم والاستعباد، ثم وجدوا من الملتصقين بالعلم المنتسبين له مَن يزيِّن لهم أمرهم ويهوِّن عليهم أمر التشبُّه بالكفار في اللباس والهيئة والمظهر والخلق وكلِّ شيء، حتى صرنا في أمةً ليس لها من مظهر الإسلام إلا مظهر الصلاة والصيام والحج على ما أدخلوا فيها من بِدَع، بل من ألوان من التشبُّه بالكفار أيضًا، وأظهر مظهر يريدون أن يضربوه على المسلمين هو غطاء الرأس الذي يسمُّونه القبعة (البرنيطة)، وتعلَّلوا لها بالأعاليل والأباطيل، وأفتاهم بعض الكُبَراء المنتسبين إلى العلم أن لا بأس بها إذا أُرِيد بها الوقاية من الشمس، وهم يأبون إلا أن يظهروا أنهم لا يريدون بها إلا الوقاية من الإسلام، فيصرح كُتَّابهم ومفكِّروهم بأن هذا اللباس له أكبر الأثر في تغيير الرأس الذي تحته ينقله من تفكير عربي ضيِّق إلى تفكير إفرنجي واسع، ثم أبى الله لهم إلا الخذلان، فتناقضوا ونقضوا ما قالوا من حجة الشمس إذ وجدوا أنهم لم يستطيعوا ضرب هذه الذلَّة على الأمة، فنزعوا غطاء الرأس بمرة تكروا الطربوش وغيره، ونسوا أن الشمس ستضرب رؤوسهم مباشرة دون واسطة الطربوش، ونسوا أنهم دعوا إلى القبعة وأنه لا وقاية لرؤوسهم من الشمس إلا بها.
ثم كان من بضع سنين أن خرج الجيش الإنجليزي المحتلُّ للبلاد من القاهرة والإسكندرية بمظهره المعروف، فما لبثنا أن رأيناهم ألبسوا الجيش المصري والشرطة المصرية قُبَّعات كقُبَّعات الإنجليز، فلم تفقد الأمة في العاصمتين وفي داخل البلاد منظر جيش الاحتلال الذي ضرب الذلة على البلاد سبعين سنة، فكأنهم لم يصبروا على أن يفقدوا مظهر الذلِّ الذي أَلِفوه واستساغوه ورُبُّوا في أحضانه، وما رأيتُ مرَّة هذا المنظر البشع منظر جنودنا في زيِّ أعدائنا وهيئتهم، إلا تقزَّزتْ نفسي، وذكرت قول عميرة بن جعل الشاعر الجاهلي يذم قبيلة تغلب:
إِذَا ارْتَحَلُوا عَنْ دَارِ ضَيْمٍ تَعَاذَلُوا = عَلَيْهِمْ وَرَدُّوا وَفْدَهُمْ يَسْتَقِيلُهَا
انتهى كلامه - رحمه الله تعالى.
وما ذكره - رحمه الله تعالى - من تشبُّه الجيش المصري والشرطة المصرية بالجيش الإنجليزي ليس هو مما انفرد به المصريون، بل قد شاركهم فيه كثيرٌ من المسلمين والمنتسبين إلى الإسلام؛ فألبسوا جيوشهم وشرطهم مثل لباس الإفرنج، ولم يبالوا بقول النبي r: ((مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم))، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهذا التشبُّه القبيح والانحراف عن زيِّ المسلمين والتزيِّي بزيِّ أعداء الله - تعالى - كله من آثار بطانة السوء، كما في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث الله من نبيٍّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضُّه عليه، وبطانة تأمر بالشر وتحضُّه عليه، فالمعصوم مَن عصم الله - تعالى))؛ رواه البخاري والنسائي.
ولهما أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من والٍ إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، فمَن وُقِي شرَّها فقد وُقِي، وهو من التي تغلب عليه منهما))؛ هذا لفظ النسائي.
وقد رواه الإمام أحمد بنحوه، وعنده في آخره: ((مَن وُقِي شرَّ بطانة السوء فقد وُقِي - يقولها ثلاثًا - وهو مع الغالبة عليه منهما)).
وقد رواه البخاري في "الأدب المفرد" والترمذي والحاكم، وفيه قصةٌ لأبي الهيثم بن التيهان t وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وروى البخاري أيضًا والنسائي عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((ما بُعِث من نبيٍّ ولا كان بعده من خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، فمَن وُقِي بطانة السوء فقد وُقِي))، هذا لفظ النسائي.
وإذا عُلِم هذا فالواجب على المسلمين كافَّة أن يبعدوا كلَّ البعد عن مشابهة أعداء الله - تعالى - والتزيِّي بزيِّهم في اللباس وغيره.
ويجب على ولاة الأمور أن ينزعوا لباس الإفرنج عن جيوشهم وشُرَطِهم ويُلبِسوهم لباس المسلمين، وينبغي لهم أن يحترزوا من شرِّ بطانة السوء ممَّن يأمرهم بالمنكر ويحضُّهم عليه ويبعدوهم عنهم غاية البعد، والله المسؤول أن يوفِّق ولاة أمور المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وأن يأخذ بنواصيهم إلى الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه]]. اهـ.
حواشي:
1- المرجع: كتاب القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص/133).
2 - المرجع: كتاب"الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين" (79-84) (بتقديم الإمام ابن باز -رحمه الله-)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق