فوائد من حديث النزول
عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – (( ينزل ربنا على السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول
من يدعوني فأستجيب له . من يسألني فأعطيه . من يستغفرني فأغفر له )) متفق
عليه .أفاد هذا الحديث فوائد :
الأولى : فيه إثبات نزول الرب إلى سماء الدنيا كل ليلة كما يليق بجلاله وعظمته ، فنثبت النزول لله حقيقة ، وأما كنه نزوله وكيفية فلا يعلمها إلا هو سبحانه كما قال مالك : الأستواء معلوم والكيف مجهول ، وكذلك يقال في النزول والإتيان والمجئ وغير ذلك من صفاته الفعلية والذاتية .
ثانياً : فيه إثبات العلو لله سبحانه ، فإن النزول والتنزيل والإنزال هو مجئ الشئ والإتيان به من علو إلى أسفل ، هذا هو المفهوم من لغة العرب ، قال تعالى :{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [ الفرقان :48] .
ثالثاً : فيه الرد على الجهمية والمعتزلة المنكرين لنزوله سبحانه وتعالى زعماً منهم أن هذا من مجاز الحذف والتقدير ينزل أمره أو رحمته ، وهذا باطل من وجوه عديده :
أ-أن الأصل عدم الحذف .
ب-أنه قال من يدعونى فأستجب له فهل أمره أو رحمته تقول من يدعونى ، هذا مما لا يعقل أن يكون القائل له غير الله ، فلم يكن إلا نزوله سبحانه بذاته ، هذا هو صريح الأدلة والمعقول .
الثالث : انه حدد لنزوله ثلث الليل الآخر ، ولو كان أمره أو رحمته لم يحدد ذلك بثلث الليل ، فإن أمره ورحمته ينزلان على وقت .
الرابع : فيه إثبات أفعال الله الاختيارية .
الخامس : فيه إثبات القول لله سبحانه وتعالى .
السادس : فيه إثبات أن كلامه سبحانه بحرف وصوت إذ لا يعقل النداء إلا ماكان حرفاً وصوتاً.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ومن البدع التي أنكرها أحمد في القرآن قول من قال أن الله تكلم بغير صوت وأنكر هذا القول وبدع قائلة ، وقد قيل : إن الحارث المحاسبي إنما هجره أحمد لأجل ذلك . انتهى .
السابع : فيه إثبات أ صفة الكلام صفة فعلية كما أنها من الصفات الذاتية أيضاً .
الثامن : فيه الرد على الجهمية وأضرابهم القائلين بأنه سبحانه في كل مكان بذاته فلو كان في كل مكان لم يقل ينزل ربنا .
التاسع : أن صفة النزول من الصفات الفعلية ودليله النقل كما تقدم .
العاشر : فيه الرد على من زعم أن الذي ينزل ملك من الملائكة فإن الملك لا يقول : من يسألني فأعطيه ،فإن هؤلاء الجهمية المعطلة الذين ينفون نزوله سبحانه وينفون كلامه يقولون زعما منهم أن هذا مجاز والتقدير في قوله فيقول أي فيأمرملكا يقول ذلك عنه كما يقال : نادى السلطان ، أي أنه أمر مناديا ، ويقولون فيما ثبت أنه قال ويقول وتكلم ويكلم مما لا حصر له كل هذا مجاز ، وقولهم باطل من وجوه ، منها : أن المنادى عنه غيره ، كمنادى السلطان يقول : أمر السلطان بكذا ، لا يقول إني آمركم بكذا وأنهاكم عن كذا ، والله سبحانه يقول في تكليمه موسى : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} والحديث فيقول : " من يدعوني فأستجيب له " وإذا كان القائل ملكا قال كما في الصحيحين : " إذا أحب الله عبداً نادى في السماء ياجبريل إني أحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبريل وينادى في السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض " . فقال في ندائه عن الله إن الله يحب فلاناً فأخبوه ، وفي نداء الرب يقول : من يدعوني فأستجيب له .
(فإن قيل ) : فقد روى أنه يأمر منادياً فينادي ، قيل هذا ليس في الصحيح ، فإن صح أمكن الجمع بين الخبرين بأن ينادي هو ويأمر منادياً ينادي ، أما أن يعارض بهذا النقل الصحيح المستفيض الذي اتفق أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول مع أنه صريح بأن الله هو الذي يقول : " من يدعوني فأستجب له " فلا يجوز . انتهى . من كلام شيخ الإسلام تقي الدين بتصرف .
الحادي عشر : فيه دليل على امتداد هذا الوقت أي وقت النزول الإلهي إلى إضائة الفجر .
الثاني عشر : فيه الحث على الدعاء والاستغفار في جميع الوقت المذكور.
الثالث عشر : فيه دليل على فضل الدعاء .
الرابع عشر : فيه دليل على نفع الدعاء والرد على جهلة المتصوفة القائلين بأن الدعاء لا ينفع وهو قول مردود بأدلة الكتاب والسنة مع أدلة العقل ، فإن المشركين كانوا يعرفون نفع الدعاء ، قال تعالى :
{ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } الآية . فضلا عن غيرهم .
الخامس عشر : فيه أن الدعاء من أفضل الطاعات ، فلا يجوز صرفه لغير الله ، ومن دعا غير الله فهو مشرك كافر .
السادس عشر : الدعاء لغة : السؤال والطلب سواء كان بلسان الحال أو بلسان المقال ، فالدعاء ينقسم إلى قسمين : دعاء عبادة ودعاء مسألة . فالأول : هو سائر الطاعات من تسبيح وتكبير وتهليل وغير ذلك ،لأن عامل ذلك ؛ هو سائل في المعنى ، والثاني : هو دعاء المسألة ، وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو دفع ضر .
السابع عشر : إن الدعاء والاستغفار وغيرهما من أنواع العبادات يختلف فضلها بحسب الزمان والمكان .
الثامن عشر : إن ثلث الليل الآخر مظنة الإجابة وإن آخر الليل أفضل للدعاء وللا ستغفار ، ويشهد له قوله تعالى : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } وقال : { كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } وفيه الدعاء في ذلك الوقت مجاب ، وتخلف الإجابة عن بعض الداعين قد يكون بسبب إخلال ببعض شروط الدعاء .
التاسع عشر : فيه تفصيل صلاة الوتر آخر الليل لكن ذلك في حق من طمع أن يقوم آخر الليل ، وفيه تفضيل صلاة آخر الليل .
العشرون: فيه تلطفه سبحانه بعباده ورحمته بهم وكونه سبحانه يأمرهم بدعائه واستغفاره .
من كتاب " التنبهات السنية على العقيدة الواسطية " للشيخ العلامة عبد العزيز الرشيد رحمه الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق