الرد على مَنْ يزعم: أنَّ
تحذير العوام والناشئة المبتدئين
من أعيان المبتدعة ومناهجهم فتنة لهم وليس من الحكمة!!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإنَّ بعض الناس لا يرى التحدث مع العوام وطلبة العلم المبتدئين في مسائل الكلام في أعيان المبتدعة وبيان انحرافاتهم المنهجية، ويزعم أنَّ مثل هذه المسائل تكون فتنة لهم وسبباً لنفرتهم عن قبول الحق وأهله، مستدلاً بأثر عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم: ((مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْماً حَدِيثاً لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً))، بل يدَّعي أنه ليس من الشرع ولا من الحكمة ولا من العقل أن يُحذِّر طالبُ العلم من أحد أعيان المبتدعة في المجالس العامة، أو يعتقد أنَّ التحدث بمثل هذه المسائل مع هؤلاء يناقض طريقة العلماء الربانيين الذين يعلِّمون صغار العلم قبل كباره، أو يعارض أصل التدرج في التعليم والدعوة إلى الله؛ بدعوى أنَّ عقول العوام والمبتدئة في هذا الوقت لا تدرك مثل هذا الخطاب، وهذا فهم خاطئ وتأصيل بعيد عن منهج السلف الصالح يؤدي إلى عواقب وخيمة، فينبغي التنبه له والحذر منه.
والواجب أن يحذِّر طالب العلم والدعاة السلفيين عوام الناس من أهل البدع ومناهجهم، وإن اقتضى الأمر أن يذكرهم بأسمائهم أو لم يتبين الباطل للناس إلا بالتعريف بأعيانهم فيذكرون على سبيل التعيين، وليس من الحكمة أن ينظر طالب العلم أو الداعية السلفي إلى عامي أو مبتدئ في الطلب يتردد على مجالس أهل البدع أو يشاهد ويستمع محاضراتهم أو يحضر دروسهم وخطبهم أو يطالع ويقرأ كتبهم ومقالاتهم، فلا يُحذِّره من هؤلاء بأعيانهم ولا يبين له انحرافاتهم؛ بدعوى أنه الآن يعلِّمه التوحيد والسنة والعلوم الشرعية الأخرى ولا يريد إشغاله بمسائل التحذير والرد والكلام في المخالفين في هذه المرحلة!!.
فماذا سيصنع هذا الداعية السلفي لو استقطب أهل البدع ذلك العامي في أول الطريق قبل أن يصل معه إلى المسائل الكبار؟
وكم يحصل مثل هذا الأمر في واقع الناس في هذا الزمان؟!.
ورحم الله أحد السلف حين قال: ((إذا رأيتَ الشابَّ أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه، فإنَّ الشاب على أول نشوئه))، وقد ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية عن الإمام أحمد، وذكره ابن بطه عن عمرو بن قيس الملائي.
فتحذير العوام وطلبة العلم الصغار من أعيان المبتدعة الذين قد يتأثرون بهم من خلال القنوات الفضائية أو الدروس والخطب والكتب المنتشرة في واقعهم المحيط بهم واجب على الدعاة وطلبة العلم.
أما أن نغلق باب التحذير من أعيان المبتدعة مع العوام والمبتدئة تماماً بدعوى تربيتهم على صغار العلم قبل كباره؛ فهذا أمرٌ لا يقبله شرع ولا عقل، لأنَّ هؤلاء العوام والناشئين هم أول وأكثر المتأثرين بأهل البدع، وهم محلُّ دعوتهم واستقطابهم، وأما طلبة العلم فهؤلاء يميزون بين الحق والباطل، فكيف يكون الكلام في أهل البدع محصوراً بين أهل العلم وطلبته؟!
والحكمة في ذلك إنما تكون من خلال تحين الفرص المناسبة لمثل هذا التحذير والبيان، واختيار الأسلوب الأفضل في ذلك حتى لا يقع ما يخشاه من الإعراض عنه والنفرة منه.
وليس ثمة تعارض بين التدرج في الدعوة والتعليم وبين الكلام في أعيان المبتدعة وانحرافاتهم والرد عليهم؛ فكما أنَّ التدرج في الدعوة والتعليم أمر مطلوب شرعاً وهو من الحكمة حتماً، فكذلك تحذير العوام والمبتدئة من أعيان أهل البدع الذين قد يتأثرون بهم في مرحلة من مراحل التعليم أمر مطلوب شرعاً وهو من الحكمة أيضاً.
وقد سُئل الشيخ ربيع حفظه الله السؤال الآتي كما في [فتاوى فضيلة الشيخ ربيع 1/218]: ما هي الطريقة المثلى التي يسلكها الإمام السلفي لتعليم العوام أمور دينهم خاصة المسائل المنهجية، فإذا أراد مثلاً أن يحذَّرهم من شخص أو من جماعة، فما هو السبيل الذي يسلكه معهم لتعليمهم هذه الأمور، خاصة وأنَّ العامة ينفرون من مثل هذه المسائل؟
فكان جوابه وفقه الله تعالى: ((الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه؛ أما بعد: فإنَّ على حملة العلم من العلماء وكبار الطلاب الذين شدوا في العلم أن يعلموا الناس، ويبلغونهم رسالة الله عز وجل في المدارس والجامعات والمساجد وفي الندوات، وفي الوسائل المشروعة؛ لأنَّ هناك وسائل محرمة، هناك وسائل مشروعة إذا ظفر بها المسلم فعليه أن يستغلها لنشر دعوة الله تبارك وتعالى، لأنَّ العلماء ورثة الأنبياء.
والأنبياء دعاة إلى الله تبارك وتعالى، بعثهم الله ليدعوا الناس إلى توحيده والإيمان به، والإيمان بما أوجب الله من الإيمان به من الإيمان بالرسل والملائكة والكتب والجنة والنار، وما يتعلق بهما من البعث والنشور، وعذاب القبر، والمرور على الصراط، وغيرها مما له تعلق بالعقيدة والدعوة، والتعليم بالتفصيل بقدر ما يستطيع، والعوام يفهمهم بالتفصيل بقدر ما يستطيع، لأنَّ هذه الأمور التي ذُكرت الآن أساسية وعظيمة ولابد منها، ولا يكون المرء مؤمناً إلا بها، فيركز على هذه الأمور، ثم على الصلاة بالتفصيل فيها، حتى يعرف الناس كيف يعبدون ربهم ويقومون بهذا الركن العظيم الثاني، لأنَّ الركن الأول الشهادتان، ويعلمهم أمور الزكاة والصوم والحج، وتحريم المحرمات من الزنا والفحش وشرب الخمر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وسائر المحرمات التي يجب على المسلم أن يجتنبها، كذلك الغيبة والنميمة، وسائر الكبائر التي حذر منها الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه وذكرها رسوله عليه الصلاة والسلام، وكثير منها يعني معروف لدى خاصة الناس وعامتهم، ولكن عندما يحدثهم الإنسان بعلم وبتفصيل وبسياق الأدلة يزيد الناس علماً وبصيرة، فتقوى فيهم ملكة التقوى ومراقبة الله تبارك وتعالى.
ثم من خلال هذا التعليم إذا جاء داع إلى التحذير من البدع يحذر منها على وجه العموم، وإذا كان هناك مَنْ له نشاط في نشر البدع والضلالات فيذكر هذه البدع وينسبها إلى قائلها ويفندها بعلم وحكمة، لا بقصد التشفي ولا بقصد الطعن في الناس والتشويش؛ فإنَّ هذه المقاصد السيئة قد تحول هذا العمل إلى معصية، فالمرء يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بهذا النصح وبهذا التحذير، يريد بذلك وجه الله وحماية الناس من الأضرار التي تلحقهم في دينهم وتعرضهم لسخط الله في الدنيا والآخرة، يكون هذا مقصده مقصداً سامياً، يريد بذلك وجه الله ونفع الناس وإبعادهم عن الشر وما يضرهم في دينهم ودنياه.
فالطريقة والأسلوب يختلف من شخص إلى شخص، ولكل حادث حديث كما يقال، ويرى الحاضر ما لا يراه الغائب، والمواقف تُعلِّم الإنسان كيف يتكلم؟ كيف يعالج مثل هذه المشاكل؟، ليس هناك قالب واحد وصورة جامدة يبقى على طول حياة الإنسان يلتزمها، وإنما هي مواهب من الله، وعطاء من ربنا سبحانه وتعالى، يوفِّق الله أناساً فينفع الله بهم.
ويحاول الداعية إلى الله سواء كان إمام مسجد أو غيره أن يضع نصب عينيه: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، فهذه ترسم جانباً من جوانب الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، بل ترسم أصولاً من أصول الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، أن يضعها المسلم نصب عينيه، يعالج بها المشاكل، ويفيد بها الناس، ويذهب بهم إلى دين الله الحق، هذا ما أقوله إجابة على هذا السؤال)).
وقال حفظه الله أيضاً كما في [مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع 14/282-283]: ((الناس كانوا يقرءون كتب الفكر المنحرف كثيراً وكثيراً، والمكتبات متخمة ومليئة بكتب الضلال والبدع، ولا يتكلمون بمثل هذا الأسلوب، فلما أقبل الناس على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ووجدوا من الكتب ما يحذرهم من البدع والضلال قالوا: لا تشتغلوا بهذه الأشياء!، لا تشغلوا أنفسكم بهذه الأشياء!، لا تتركوا العلم!.
هذه الردود من العلم، معرفة الهدى من الضلال، ومعرفة الخير من الشر هذا، والله من العلم الواقي؛ كما يقول حذيفة رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، فلابدَّ من معرفة كتب أهل البدع والضلال، يعني عن طريق هذه الكتب التي تنتقدها، وإلاَّ ما ضاع كثير من الشباب إلاَّ حينما فقدوا مثل هذه الكتب التي تحصنهم، فهذه الكتب فيها تحصين للشباب.
وأنا أُمثِّل مَنْ يربي ولا يحصِّن ولا يضع حماية للشباب كمن زرع وتأتي الحيوانات والحشرات والثعالب و... و...الخ فتأكل هذا الزرع، فإذا ما فيه سياج، ما فيه حماية؛ وهو التحذير من البدع، ضاع الناس .
لهذا نجح السلف إلى حد بعيد حينما استخدموا أسلوب التحذير من أهل البدع، نجحوا في الحفاظ على السنة والجماعة، فلما هدم هذا السور، وخفت العناية بحماية المجتمع السني من غزو أهل البدع، غزاهم أهل البدع فاحتووهم، فانتشرت القبور و الخرافات ... الخ.
هنا في هذه البلاد، كانت فيه حماية جيدة ضد أهل البدع، فجاء هؤلاء ولبسوا لباس السنَّة فخدعونا، وما وجدوا حماية، فأخذوا شبابنا.
هذه الكتب من يريد الحق والله يقرأ فيها يجد فيها التمييز بين الحق والباطل، ويجد حينها حصانة وحماية من هذه الأمراض، وكما نحصن ونطعم أطفالنا من الأمراض ونعني بذلك عناية شديدة، وكذلك يجب أن نعنى بعقول أبنائنا، فنحميها، ونحذرها ، ونوعيها حتى تستطيع أن تميز بين الخير والشر)).
وسُئل حفظه الله كما في [مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع 14/277-278]: هل يسعنا نحن طلاب العلم السكوت عن البتدعة، ونربي الطلاب والشباب على منهج السلف دون ذكر المبتدعة بأسمائهم؟
فكان جوابه: ((والله يذكرون بأوصافهم، ويذكرون بأسمائهم إذا دعت الحاجة، فإذا تصدى فلان للزعامة وقيادة الأمة والشباب ويجرهم إلى الباطل يذكر بإسمه، إذا دعت الحاجة إلى ذكر اسمه فلابد من ذكر اسمه.
وبالمناسبة: أحد السلفيين في مصر كان يدرِّس وهكذا عمومات وعمومات فما يفهمون، ثم بدأ يصرح بالجماعات وبالأشخاص، قالوا: ليش يا شيخ ما علمتنا من الأول؟! قال: أنا كنتُ أعطيكم كثير من الدروس وأقول لكم كذا وكذا وأقول لكم كذا وكذا، قالوا: والله ما فهمنا!.
درسنا كتاب الفرق والمذاهب وحفظناه حفظاً، وما ذكروا الفرق المعاصرة التبليغ والإخوان وغيرهم ماذكروهم العلماء، فما نراهم مبتدعة، حتى اطلعنا على حالهم ودرسناهم، فرأينا ضرورة ذكرهم.
فالحمد لله يعني المشائخ الذين كانوا يتحاشون ذكرهم صاروا يصرحون بأسمائهم ولله الحمد، وهذا واجب، يعني إذا كان ما فيه خطر لا بأس، ولا داعي لذكر الأسماء إذا كان فيه خطر، وهم يجرون الشباب أوساطهم، بل يأخذون بأزمتهم، بل يحاربون بهم أهل السنة، فيجب ذكر أسمائهم، يذكر أسمائهم ولا كرامة لهم، قالوا: إلى الجحيم يا ابن عثيمين خالداً مخلداً فيها أبداً أنت وأتباعك!!!، هذه نظرتهم إلى العلماء، يعتبرونهم كفاراً، هؤلاء خوارج يعني في غاية الغلظة، نسأل الله العافية)).
ومن أجل أن يتبين هذا الأمر بجلاء للإخوة القراء، أحببتُ أن أذكر لهم هذه الأدلة والآثار والنقول التي تدل على بطلان قاعدة: عدم إشغال العوام بمسائل الجرح والتعديل، أو عدم التحدث بالتحذير من فلان وفلان وبيان مناهجهم في مجالس العوام:
أ- فمن الآيات القرانية:
قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) وقال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ))، وقال في موضع آخر: ((وإذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ))، وقال: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ))، وقال: ((هذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ))، وقال: ((هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ))، وقال: ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ))، وقال: ((إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ، وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ))، وغيرها من الآيات.
فهذه الآيات تدل على أنَّ الحكمة من إنزال الكتاب وإرسال الرسل والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبيان والبلاغ هو إرشاد الناس وإصلاحهم.
وكلمة (الناس) في هذه الآيات وردت بصيغة العموم (أل الاستغراقية)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ((قول تعالى لعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ" أي: إلا إلى جميع الخلق من المكلفين، كقوله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا"، "تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"))، فلا يخص قوم دون قوم بهذه الدعوة والبيان، بل إنَّ عوام الناس يدخلون في ذلك دخولاً أولوياً، لأنهم كثيراً ما ينخدعون بالأحبار والرهبان وعلماء السوء وشبهاتهم، فالحرص على إرشادهم وهدايتهم وبيان الحق لهم والتحذير من الباطل واجب على العلماء والدعاة والمصلحين.
نعم (بعض) المسائل الدقيقة الخفية قد لا تدركها عقول (بعض) العوام من الناس فلا يُمكن مخاطبتهم بها إلا على سبيل الإجمال؛ لئلا يكون لهم في ذلك فتنة قد تسبب التكذيب بالحق ومعاداة أهله أو كراهة أن يفهموها فهماً خاطئاً، ولهذا بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باباً فقال: ((باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا))، وذكر أثر عليٍّ رضي الله عنه: ((حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ))، وحديث معاذ رضي الله عنه: ((أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا)) فقال له صلى الله عليه وسلم: ((إِذًا يَتَّكِلُوا)).
لكن التحذير من فلان المبتدع الذي يتأثر بمنهجه ودعوته بعض العوام أو المبتدئة في طلب العلم ليس من هذا القبيل، وبخاصة مخاطبة العامة في مسائل ظاهرة عندهم يذمونها ويعرفون آثارها السيئة (مثل: التنظيم الحزبي، والعمل السياسي، والمظاهرات والخروج على الحكام، والتكفير والتفجير، والدعوة إلى وحدة الأديان والتقريب بين الطوائف الضالة، والطعن بالأنبياء والصحابة والأئمة المشهورين والعلماء الكبار، والثناء على رؤوس الضلالة وأئمة الباطل ودعاة الفتنة والشر، إلى غير ذلك).
وكثيرٌ من عوام الناس يفهمون خطاب أولئك المبتدعة في محاضراتهم وخطبهم ويتأثرون به وقد يقومون بنشره والاحتجاج به في بعض مجالسهم!، فمخاطبتهم بالتحذير من ذلك هو من باب الكلام معهم فيما تدركه عقولهم وتفهمه، فهم ليسوا كالدواب التي لا تعقل أو لا تفهم، بل لهم عقول وأبصار وأسماع يميزون بها، أما بعض عوام الناس الذين لا يفهمون خطاب المبتدعة أصلاً ولا يدركون المسائل التي يتحدَّثون فيها فمثل هؤلاء لا يخشى عليهم من أمثال أولئك، وليس هناك مقتضى لذكر هذه المسائل لهم وإشغالهم بها، لكن هؤلاء قلة بالنسبة لغالب العوام الذين لهم عقول تدرك الخطاب وتفهم المسائل الظاهرة المشار إليها آنفاً، فلا يحتجُّ علينا أحد بأمثال هؤلاء القلة لتثبيت أصله الفاسد: عدم إشغال العوام بمسائل الرد على المخالفين والتحذير من المبتدعة بأعيانهم ومناهجهم.
ب- ومن الأحاديث النبوية:
ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، وما أخرجاه أيضاً عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
فهذان الحديثان نصان صريحان في أنَّ العوام يدخلون في باب النصح، ومعلوم أنَّ التحذير من المبتدعة بأعيانهم وبيان انحرافاتهم المنهجية والرد عليهم يدخل في النصيحة الشرعية.
قال الحافظ ابن رجب البغدادي رحمه الله في [الفرق بين النصيحة والتعيير]: ((فحينئذٍ فرد المقالات الضعيفة وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء، بل مما يحبونه ويمدحون فاعله ويثنون عليه، فلا يكون داخلاً في الغيبة بالكلية، فلو فرض أنَّ أحداً يكره إظهار خطئه المخالف للحق فلا عبرة بكراهته لذلك، فإنَّ كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفاً لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة، بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له سواءٌ كان ذلك في موافقته أو مخالفته، وهذا من النصيحة لله ولكتابه ورسوله ودينه وأئمة المسلمين وعامتهم، وذلك هو الدين كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم)).
وقال بعدها: ((وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين، فأما أهل البدع والضلالة ومَنْ تشبَّه بالعلماء وليس منهم: فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم)).
ج- ومن كلام العلماء:1- قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه [باب الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَقَلَةِ الأَخْبَارِ وَقَوْلِ الأَئِمَّةِ فِى ذَلِكَ]: ((وقال محمد سمعتُ عليَّ بن شَقيق يقول: سمعتُ عبدالله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: "دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ")).
فهذا ابن المبارك رحمه الله يُحذِّر من عمرو بن ثابت في مجلس العامة، فأين مَنْ يزعم عدم مشروعية هذا؟!
2- وقال الإمام ابن بطة رحمه الله في [الإبانة الكبرى 6/137-138]: ((وإنما ذكرتُ هذه الأقوال من مذاهبهم: ليعلم إخواننا ما قد اشتملت عليه مذاهب الجهمية المقبوحة المنبوحة من ألوان الضلال وصنوف الشرك وقبائح الأقوال؛ ليجتنب الحدث ممن لا علم له مجالستهم وصحبتهم وألفتهم، ولا يصغي إلى شيء من أقوالهم وكلامهم)).
وختم رحمه الله كتابه [الإبانة الصغرى ص326] بقوله: ((وَمِنْ اَلسُّنَّةِ وَتَمَامِ اَلْإِيمَانِ وَكَمَالِهِ: اَلْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ اِسْمٍ خَالَفَ اَلسُّنَّةَ وَخَرَجَ مِنْ إِجْمَاعِ اَلْأُمَّةِ وَمُبَايَنَةُ أَهْلِهِ وَمُجَانَبَةُ مَنِ اِعْتَقَدَهُ وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اَللَّهِ عز وجل بِمُخَالِفَتِهِ.
وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: اَلرَّافِضَةُ وَالشِّيعَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالْحَرُورِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالزَّيْدِيَّةُ وَالْإِمَامِيَّةُ وَالْمُغِيرِيَّةُ وَالْإِبَاضِيَّةُ وَالْكَيْسَانِيَّةُ وَالصُّفْرِيَّةُ وَالشُّرَاةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْمَنَّانِيَّةُ وَالٌأَزَارِقَةُ وَالْحُلُولِيَّةُ وَالْمَنْصُورِيَّةُ وَالْوَاقِفَةُ وَمَنْ دَفَعَ اَلصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةَ، وَمِنْ كُلِّ قَوْلٍ مُبْتَدَعٍ وَرَأْيٍ مُخْتَرَعٍ وَهَوًى مُتَّبَعٍ، فَهَذِهِ كُلَّهَا وَمَا شَاكَلَهَا وَمَا تَفَرَّعَ مِنْهَا أَوْ قَارَبَهَا أَقْوَالٌ رَدِيئَةٌ وَمَذَاهِبُ سَيِّئَةٌ تُخْرِجُ أَهْلَهَا عَنْ اَلدِّينِ وَمَنِ اِعْتَقَدَهَا عَنْ جُمْلَةِ اَلْمُسْلِمِينَ.
وَلِهَذِهِ اَلْمَقَالَاتِ وَالْمَذَاهِب: رُؤَسَاءُ مِنْ أَهْلِ اَلضَّلَالِ وَمُتَقَدِّمُونَ فِي اَلْكُفْرِ وَسُوءِ اَلْمَقَالِ، يَقُولُونَ عَلَى اَللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَيَعِيبُونَ أَهْلَ اَلْحَقِّ فِيمَا يَأْتُونَ، وَيَتَّهِمُونَ اَلثِّقَاتِ فِي اَلنَّقْلِ وَلَا يَتَّهِمُونَ آرَاءَهُمْ فِي اَلتَّأْوِيلِ، قَدْ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ اَلْبِدَعِ وَأَقَامُوا سُوقَ اَلْفِتْنَةِ وَفَتَحُوا بَابَ اَلْبَلِيَّةِ، يَفْتَرُونَ عَلَى اَللَّهِ اَلْبُهْتَانَ وَيَتَقَوَّلُونَ فِي كِتَابِهِ بِالْكَذِبِ وَالْعُدْوَانِ، إِخْوَانُ اَلشَّيَاطِينِ وَأَعْدَاءُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَكَهْفُ اَلْبَاغِينَ وَمَلْجَأُ اَلْحَاسِدِينَ.
هُمْ شُعُوبٌ وَقَبَائِلُ وَصُنُوفٌ وَطَوَائِفُ، أَنَا أَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ أَسْمَائِهِمْ وَشَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ كُتُبًا قَدْ اِنْتَشَرَتْ وَمَقَالَاتٍ قَدْ ظَهَرَتْ لَا يَعْرِفُهَا اَلْغُرُّ مِنْ اَلنَّاسِ وَلَا النَّشئ مِنْ اَلْأَحْدَاثِ، تَخْفَى مَعَانِيهَا عَلَى أَكْثَرِ مَنْ يَقْرَؤُهَا.
فَلَعَلَّ اَلْحَدَثَ يَقَعُ إِلَيْهِ اَلْكِتَابُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلْمَقَالَاتِ قَدْ اِبْتَدَأَ اَلْكِتَابَ بِحَمْدِ اَللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْأَطْنَابِ فِي اَلصَّلَاةِ عَلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِدَقِيقِ كُفْرِهِ وَخَفِيِّ اِخْتِرَاعِهِ وَشَرِّهِ فَيَظُنُّ اَلْحَدَثُ اَلَّذِي لَا عِلْمَ لَهُ وَالْأَعْجَمِيُّ وَالْغُمْرُ مِنْ اَلنَّاسِ أَنَّ اَلْوَاضِعَ لِذَلِكَ اَلْكِتَابِ عَالِمٌ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ أَوْ فَقِيهٌ مِنْ اَلْفُقَهَاءِ، وَلَعَلَّهُ يَعْتَقِدُ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ مَا يَرَاهُ فِيهَا عَبْدَةُ اَلْأَوْثَانِ وَمَنْ بَارَزَ اَللَّهَ وَوَالَى اَلشَّيْطَانَ.
فَمِنْ رُؤَسَائِهِمْ اَلْمُتَقَدِّمِينَ فِي اَلضَّلَالِ: مِنْهُمْ اَلْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ اَلضَّالُّ؛ وَقَدْ قِيلَ لَهُ وَهُوَ بِالشَّامِ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ أَطْلُبُ رِبًا أَعْبُدُهُ!، فَتَقَلَّدَ مَقَالَتَهُ طَوَائِفُ مِنْ اَلضُّلَّالِ، وَقَدْ قَالَ اِبْنُ شَوْذَبٍ: تَرَكَ جَهْمٌ اَلصَّلَاةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى وَجْهِ اَلشَّكِّ.
وَمِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ: بِشْرٌ اَلْمَرِيسِي وَالْمِرْدَارُ وَأَبُو بَكْرٍ اَلْأَصَمُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ وَبُرْغُوثُ وَربَالُويَةُ وَالْأَرْمَنِيُّ وَجَعْفَرٌ اَلْحَذَّاءُ وَشُعَيْبٌ اَلْحَجَّامُ وَحَسَنُ اَلْعَطَّارُ وَسَهْلٌ اَلْحرَارُ وَأَبُو لُقْمَانَ اَلْكَافِرُ فِي جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ مِنْ اَلضُّلَّالِ، وَكُلُّ اَلْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ فِيمَنْ سَمَّيْنَاهُمْ إِنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْكُفْرِ وَرُؤَسَاءُ اَلضَّلَالَةِ.
وَمِنْ رُؤَسَائِهِمْ أَيْضًا - وَهُمْ أَصْحَابُ اَلْقَدْرِ -: مَعْبَدٌ اَلْجُهَنِيِّ وَغَيْلَانُ اَلْقَدَرِيُّ وَثُمَامَةُ بْنُ أَشْرَسَ وَعَمْرٌو بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو الْهُذَيْلِ اَلْعَلَّافُ وَإِبْرَاهِيمُ اَلنَّظَّامِيُّ وَبِشْرُ بْنُ اَلْمُعْتَمِرِ، فِي جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالٍ يَعُمُّ، وَمِنْهُمْ: اَلْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اَلْوَهَّابِ اَلْجُبَّائِيُّ وَأَبُو الْعَنْبَسِ اَلصَّيْمَرِيُّ.
وَمَنْ اَلرَّافِضَةِ: اَلْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ سَبَأٍ وَهِشَامٌ اَلْفُوطِيُّ وَأَبُو الْكروسِ وَفُضَيْلٌ الرَّقَاشِيُّ وَأَبُو مَالِكٍ اَلْحَضْرَمِيُّ وَصَالِحٌ قُبَّةٌ.
بَلْ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَوْا فِي كِتَابٍ أَوْ يُحْوَوْا بِخِطَابٍ، ذَكَرْتُ طَرَفًا مِنْ أَئِمَّتِهِمْ: لِيُتَجَنَّبَ اَلْحَدَثُ وَمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ ذِكْرَهُمْ وَمُجَالَسَةَ مَنْ يَسْتَشْهِدُ بِقَوْلِهِمْ وَيُنَاظِرُ بِكُتُبِهِمْ.
وَمِنْ خُبَثَائِهِمْ وَمَنْ يَظْهَرُ فِي كَلَامِهِ اَلذَّبُّ عَنْ اَلسُّنَّةِ وَالنُّصْرَةُ لَهَا وَقَوْلُهُ أَخْبَثُ اَلْقَوْلِ: اِبْنِ كُلَّابٍ وَحُسَيْنٌ اَلنَّجَّارُ وَأَبُو بَكْرٍ اَلْأَصَمُّ)).
فهذا الكلام من هذا الإمام الهمام بيِّنٌ في أنَّ من السنة وتمام الإيمان التحذير من أعيان المبتدعة ليجتنبهم الأحداث والناشئة وعوام الناس ممن لا علم له ولا يميز بين الغث والسمين.
وقد أكَّد هذا المعنى فضيلة العلامة الشيخ محمد بن هادي المدخلي رحمه الله في شرحه لهذا الكلام [شريط مسجَّل] فقال فيه: ((قال عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، وللأئمة المسلمين، وعامتهم"، وهذا من عامة المسلمين سألك عن فلان؟ إذا كنتَ تعرفه يجب عليك أن تجيبه، وإذا كنتَ لا تعرفه أحله على غيرك، هذا هو الواجب الآن. المصنِّفُ [ابن بطة رحمه الله] متأخرٌ عن هؤلاء المتقدِّمين ويتكلَّم فيهم ويحذِّر الناس منهم ديانة، فهذا يدلُّكم على أنَّ كثيراً من الناس اليوم على خلاف ما عليه السلف الصالحون؛ أعجبهم هذا الكلام أو ما أعجبهم، نحن لا نلتمس رضاهم، يكفينا أنَّ هؤلاء أسلافنا:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
نحن مستعدون أن نأتي لهم بألف إمام هذا شأنه!!، وهم فليأتونا بإمام واحد يقولون لنا هذا شأنه!، إمام من أئمة السنة الذين يقال عنهم أئمة: "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون"، ما يجدون واحداً!، ما يجدون أسلافاً لهم إلا الذي قال لأحمد: يا أحمد إني يصعب علي، يثقل علي، أن أقول كذا وكذا، فلان كذا، وفلان وكذا؟ هذا هو سلفهم، أحمد أنكر عليه، وقال: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا متى يعلم الناس؟!، هذا نصيحة، وأهل الحديث أولى الناس بها، وما قام بها الا أهل الحديث، ونصر الله بهم الدين، وحفظ الله بهم الدين، والذي يريد اليوم أن يتنكَّب عن طريقهم فوالله ليذيقنَّه الله سوء ما يفعل، وليهوينَّ اللهُ به على أم رأسه هاوياً ومتردياً.
فمَنْ نصر السنة وأهلها نصره الله، ومَنْ خالفها وخذلها وأهلها خذله الله، ومَنْ أعلاها أعلى الله ذكره، ومَنْ أراد إهانة أهلها أهانه الله وأخبت ذكره، فعليكم بالتمسك بما قاله هؤلاء السلف رحمهم الله، فكل خير في أتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، فعليكم بالسنة ولا تبالوا بأحد.
ما ضاع الشباب والكثير من عامة الناس اليوم إلا بسبب عدم النصيحة، هذا مبتدع، في عينه مبتدع، رضي أو لم يرض، صوفي، رافضي، خارجي، أي كان من هذا هذه الأصناف، إخواني، تكفيري، سروري، تحريري، أياً كان، غضب مَنْ غضب، ويرضى مَنْ يرضى، "أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه".
فهذا الآن، أُنظر "فمن رؤسائهم المتقدِّمين"، ما منعه أن يحذِّر ممن قد انتهى، لأنَّه قد يقع بين يدي من هو في عصره كتاب من كتب هؤلاء، فيضلون بسببه، فسرد لهم الأسماء، حتى إذا ما جاء ووقع بين أيديهم كتاب من كتب هؤلاء حذروه، قد حذَّرنا منهم ابن بطة رحمه الله، نعم)).
ثم قال وفقه الله: ((هذا هو الذي ذكرناه لهم في أول ذكر الأسماء، إنما ذكر هؤلاء لأجل هذه الثمرة، قال: ذكرتُ طرفاً من أئمتهم، ذكر رؤوساً، وإلا الأتباع يكثر العدد ويصعب الحصر، فلماذا ذكر رؤوس الضلال؟ قال: ذكرتُ طرفاً من أئمتهم؛ لماذا؟ لهذه الحكمة الكبيرة، وهذه الحكمة الكبيرة هي: ليتجنب الحدث يعني الناشئ الشاب الناشئ في العلم المبتدأ، ومَنْ لا علم له، أي ليس له خلفية بهؤلاء، يجتنب ذكرهم، ما يذكرهم، ومجانبة مَنْ يستشهد بقولهم، إذا سمع من يستشهد بأقوال هذه الأسماء عرف أنه صاحب ضلالة، لأنه ما يستشهد لهؤلاء، الاستشهاد يدل على الرضى بالمستشهد بهم، فما يستشهد بقولهم ويناظر بكتبهم إلا مَنْ كان على ضلال، فإنما ذكر هذه الأسماء لأجل أن يتجنب الحدث ويحذر هذه الأسماء، وكذلك مَنْ لا علم له بها، اذا سمعها يجتنبهم ويحذرهم ويحذر مجالسة مَنْ يستشهد بأقوالهم ويناظر بكتبهم، فهذه هي الفائدة من ذكر الإسماء، دين الله تبارك وتعالى حفظ بهذه الطريقة؛ بذكر رموز الضلال والمبتدعة والدعاة الى الضلالات والتحذير منهم ومن مجالستهم وممن يستشهد بأقوالهم ويناظر بكتبهم؛ لأنَّ هذا إنما هو على شاكلتهم، نعوذ بالله من ذلك...، يتجنب مجالسة ايش؟ مَنْ يستشهد بأقوالهم ويناظر بكتبهم، يقول لك اليوم: هذه الكتب فيها خير!، خذ الخير واترك الشر!، وصاحبها من رؤوس الضلالة، هل هذا طريق السلف؟! لا والله، ما هو طريق السلف أبداً، طريق السلف التحذير من كتب أهل الضلال ومن مجالسة أهل الضلال، بل من مجالسة مَنْ يستشهد بهم من باب أولى من مجالستهم هم، أو يدعو لهم واليهم، هذا مَنْ يستشهد بقولهم لا تنبغي مجالسته، نسأل الله العافية، واليوم على خلاف هذا كله، وهذا هو العلم عندهم!، وأهله هم العلماء الصادقين المحققين المتعقلين!، أما إذا حذَّرتَ الناس من الباطل ومن أهله ومن أسبابه فأنت من الغلاة المندفعين!، ما تعرف الحكمة بالدعوة!، الحكمة عندهم يضيعون الناس!، يغشون الناس!، لا ينصحون الناس!، مَنْ الآن سأل ابن بطة هذا الكلام؟! ابتدأ من عنده، أملاه عليه رحمه الله واجب النصيحة، فكيف بمن يسأل ويكتم هذا أشد بالفتنة، نعوذ بالله من ذلك)).
3- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [المجموع 28/ 231]: ((ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلم في أهل البدع؟! فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين؛ هذا أفضل)).
فبيان حال أهل البدع وتحذير الأمة – المتعلمين والعوام – منهم واجب باتفاق المسلمين، فأين مَنْ يزعم أنَّ هذا ليس من الشرع ولا من العقل ولا من الحكمة؟!!
وقال رحمه الله في [درء التعارض العقل والنقل 1/283]: ((قال الشيخ أبو الحسن: "وكان الشيخ أبو حامد الإسْفَرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام"، قال: "ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوه إلى الأشعري، ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه؛ على ما سمعتُ عدة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي يقولون سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا:
كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسْفَرايني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علماً وأصحاباً إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرج إلى جامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالزوزي المحاذي للجامع ويُقبل على مَنْ حضر ويقول: "اشهدوا عليَّ بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق كما قاله الإمام ابن حنبل لا كما يقوله الباقلاني" وتكرر ذلك منه جمعات!.
فقيل له في ذلك؟
قال: حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع الخبر في أهل البلاد؛ أني بريء مما هم عليه يعني الأشعرية، وبريء من مذهب أبي بكر بن الباقلاني، فإنَّ جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية، ويقرؤون عليه، فيفتنون بمذهبه، فإذا رجعوا الى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة، فيظن ظانٌ أنهم مني تعلموه قبله، وأنا ما قلته، وأنا بريء من مذهب البلاقلاني وعقيدته".
قال الشيخ أبو الحسن الكرجي: "وسمعتُ شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول سمعتُ شيخنا الإمام أبا بكر الزاذقاني يقول:
كنتُ في درس الشيخ أبي حامد الإسْفَرايني، وكان ينهي أصحابه عن الكلام، وعن الدخول على الباقلاني، فبلغه أنَّ نفراً من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام، فظن أني معهم ومنهم، وذكر قصة، قال في آخرها:
إنَّ الشيخ أبا حامد قال: لي يا بني؛ قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل يعني الباقلاني، فإياك وإياه فإنه مبتدع يدعو الناس إلى الضلالة، وإلا فلا تحضر مجلسي. فقلتُ: أنا عائذ بالله مما قيل، وتائب إليه، واشهدوا عليَّ أني لا أدخل إليه".
قال الشيخ أبو الحسن: "وسمعتُ الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول سمعتُ عدة من المشايخ والأئمة ببغداد أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا: كان أبو بكر الباقلاني يخرج إلى الحمام متبرقعاً خوفاً من الشيخ أبي حامد الإسْفَرايني"، قال أبو الحسن: "ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وعلَّقه عنه أبو بكر الزاذاقاني، وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة، حتى لو وافق قول الأشعري وجهاً لأصحابنا ميزه، وقال: هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية، ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم!، ومن مذهبهم في أصول الفقه!، فضلاً عن أصول الدين".
قلتُ: هذا المنقول عن الشيخ أبي حامد وأمثاله من أئمة أصحاب الشافعي أصحاب الوجوه معروف في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وغيرها)) انتهى النقل من كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
قلتُ:
فهذا الإمام أبو حامد الإسْفَرايني رحمه الله كان يُحذِّر من أبي بكر الباقلاني في عدة جمعات لمن حضر في رباط جامع المنصور، ولا ريب أنَّ فيهم عوام الناس، فأين مَنْ استنكر ذكر بعض رموز الفتنة ودعاة الباطل على المنبر تحذيراً للناس منهم، وعدَّه من صنيع الغلاة؟!!
4- وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في مقدِّمة [الفرق بين النصيحة والتعيير]: ((اعلم أنَّ ذِكرَ الإنسان بما يكره محرم؛ إذا كان المقصود منه مجرد الذمِّ والعيب والنقص، فأما إنْ كان فيه مصلحة لعامة المسلمين خاصة لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة؛ فليس بمحرم بل مندوب إليه. وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل، وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة، وردُّوا على من سوَّى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه. ولا فرق بين الطعن في رواة حفَّاظ الحديث ولا التمييز بين مَنْ تقبل روايته منهم ومَنْ لا تقبل، وبين تبيين خطأ مَنْ أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأوَّلَ شيئاً منها على غير تأويله وتمسَّك بما لا يُتمسَّك به ،ليُحذَر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً)).
5- وسُئلت اللجنة الدائمة [الشيخ ابن باز رحمه الله، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله، الشيخ عبدالله بن غديان رحمه الله، الشيخ صالح الفوزان حفظه الله] كما في [فتاوى اللجنة الدائمة 12/98-99] السؤال رقم (3): ما موقع تتبع عورات العلماء من الشرع بدعوى التحذير من زلاتهم ولفت نظر الناس إليها؟ مع العلم إنَّ هذا العمل يقوم به طلبة العلم، ويحذِّرون العوام من الناس، وممن يحذِّرونهم من علماء أجلاء أحياناً، كالسيوطي بدعوى إنه أشعري، وغيره كثير.
فكان جوابهم: ((العلماء ليسوا معصومين من الخطأ كما في الحديث: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد"، ولا ينقص ذلك من قدرهم ما دام قصدهم التوصل إلى الحق، ولا تجوز الوقيعة في أعراضهم من أجل ذلك، وبيان الحق والتنبيه على الخطأ واجب، مع احترام العلماء ومعرفة قدرهم، إلا ما كان مبتدعاً أو مخالفاً في العقيدة فإنه يحذَّر منه إن كان حياً، ومن كتبه التي فيها أخطاء؛ لئلا يتأثر بذلك الجهال، لا سيما إذا كان داعية ضلال؛ لأنَّ هذا من بيان الحق والنصيحة للخلق، وليس الهدف منه النيل من الأشخاص، والعلماء الكبار مثل السيوطي وغيره ينبه على أخطائهم، ويستفاد من علمهم، ولهم فضائل تغطي على ما عندهم من أخطاء، لكن الخطأ لا يقبل منهم ولا من غيرهم)).
6- وقد سُئل العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله [الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ص131]: هل يجب على العلماء أن يبينوا للشباب وللعامة خطر التحزب والتفرق والجماعات؟
فكان جوابه: ((نعم، يجب بيان خطر التحزب، وخطر الانقسام والتفرق؛ ليكون الناس على بصيرة، لأنه حتى العوام ينخدعون!، كَمْ من العوام الآن انخدعوا ببعض الجماعات يظنون أنها على حق؟، فلابد أن نُبيِّن للناس - المتعلِّمين والعوام - خطر الأحزاب والفرق؛ لأنهم إذا سكتوا قال الناس: العلماء كانوا عارفين عن هذا وساكتين عليه!؛ فيدخل الضلال من هذا الباب؛ فلا بد من البيان عندما تحدث مثل هذه الأمور، والخطر على العوام أكثر من الخطر على المتعلمين!؛ لأنَّ العوام مع سكوت العلماء يظنون أنَّ هذا هو الصحيح وهذا هو الحق)).
وسُئل حفظه الله تعالى كما في [المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان]: لقد تفشَّى بين الشّباب ورعٌ كاذبٌ؛ وهو أنهم إذا سمعوا النّاصحين من طلبة العلم أو العلماء يحذّرون من البدع وأهلها ومناهجها ويذكرون حقيقة ما هم عليه ويردُّون عليهم وقد يوردون أسماء بعضهم ولو كان ميِّتًا؛ لافتتان الناس به، وذلك دفاعًا عن هذا الدين وكشفًا للمتلبِّسين والمندسِّين بين صفوف الأمّة؛ لبثِّ الفرقة والنِّزاع فيها، فيدَّعون أنَّ ذلك من الغيبة المحرَّمة!؛ فما هو قولُكم في هذه المسألة؟
فكان جوابه وفقه الله: ((القاعدة في هذا: التَّنبيه على الخطأ والانحراف وتشخيصُه للناس، وإذا اقتضى الأمر أن يصرح باسم الأشخاص حتى لا يُغتَرَّ بهم، وخصوصًا الأشخاص الذين عندهم انحراف في الفكر أو انحراف في السّير والمنهج وهم مشهورون عند الناس ويُحسِنون بهم الظَّنَّ؛ فلا بأس أن يُذكَروا بأسمائهم، وأن يُحذَّرَ منهم .
والعلماء بحثوا في علم الجرح والتّعديل، فذكروا الرُّواة وما يُقالُ فيهم من القوادح لا من أجل أشخاصهم، وإنما من أجل نصيحة الأمة أن تتلقَّى عنهم أشياء فيها تجنٍّ على الدِّين أو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقاعدة أولاً أن يُنَبَّهَ على الخطأ ولا يُذكرَ صاحبُه إذا كان يترتَّب على ذكره مضرَّةٌ أو ليس لذكره فائدة، أمَّا إذا اقتضى الأمر أن يصرَّحَ باسمه لتحذير الناس منه؛ فهذا من النَّصيحة لله وكتاب ورسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم، خصوصاً إذا كان له نشاط بين الناس ويحسنون الظَّنَّ به ويقتنون أشرطته وكتبه، لا بدَّ من بيان وتحذير الناس منه؛ لأنَّ في السُّكوت ضرراً على الناس؛ فلا بدَّ من كشفه، لا من أجل التّجريح أو التَّشفِّي، وإنما من أجل النَّصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم)).
7- وسُئل العلامة الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في شريط [معاملة أهل البدع]: ما قولكم في شخص يزهِّد في سماع الردود، ولما سُئل عن سبب ما ذهب إليه قال: إنَّ الذي سألني عن ذلك عامي؛ لا يحسن قراءة القرآن، فما تعليقكم بارك الله فيكم؟!
فكان جوابه: ((إذا كان عامياً يُعلَّم العقيدة ويُحذَّر من أهل البدع، العوام الآن أكثرهم أصبحوا جنداً لأهل البدع فلابد من تحذيرهم...، قل له: فلان عنده بدع كذا وكذا، واستماعك له يضرك، فلا يقرؤون له ولا يسمعون أشرطته ويحذرون من كلامه، يعني: العامي هذا بحاجة إلى مَنْ يُحذِّره، فيذكِّره بقاعدة: "إنَّ هذا العلم دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم". فالآن العوام مستهدفون من أهل البدع، يقول لك: لا تتركهم يقرؤون في كتب الردود!!، لا، لا، هذا يعرِّضهم للضياع!)) [وانظر فتاوى ومجموع الشيخ ربيع 14/273].
هذا ما أحببتُ بيانه في هذه العجالة، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الفهم الصحيح والإخلاص والسداد والعدل في أقوالنا وأعمالنا وأحكامنا ومواقفنا، وأن يثبتنا على الحق والهدى، وأن يختم لنا بالحسنى.
كتبه
أبو معاذ رائد آل طاهر
غفر الله له ولوالديه ولأهل الإيمان
ضحى يوم الأحد الثاني والعشرين من شوال 1433هـ
الموافق 9/9/2012 بالإفرنجي
من أعيان المبتدعة ومناهجهم فتنة لهم وليس من الحكمة!!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإنَّ بعض الناس لا يرى التحدث مع العوام وطلبة العلم المبتدئين في مسائل الكلام في أعيان المبتدعة وبيان انحرافاتهم المنهجية، ويزعم أنَّ مثل هذه المسائل تكون فتنة لهم وسبباً لنفرتهم عن قبول الحق وأهله، مستدلاً بأثر عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم: ((مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْماً حَدِيثاً لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً))، بل يدَّعي أنه ليس من الشرع ولا من الحكمة ولا من العقل أن يُحذِّر طالبُ العلم من أحد أعيان المبتدعة في المجالس العامة، أو يعتقد أنَّ التحدث بمثل هذه المسائل مع هؤلاء يناقض طريقة العلماء الربانيين الذين يعلِّمون صغار العلم قبل كباره، أو يعارض أصل التدرج في التعليم والدعوة إلى الله؛ بدعوى أنَّ عقول العوام والمبتدئة في هذا الوقت لا تدرك مثل هذا الخطاب، وهذا فهم خاطئ وتأصيل بعيد عن منهج السلف الصالح يؤدي إلى عواقب وخيمة، فينبغي التنبه له والحذر منه.
والواجب أن يحذِّر طالب العلم والدعاة السلفيين عوام الناس من أهل البدع ومناهجهم، وإن اقتضى الأمر أن يذكرهم بأسمائهم أو لم يتبين الباطل للناس إلا بالتعريف بأعيانهم فيذكرون على سبيل التعيين، وليس من الحكمة أن ينظر طالب العلم أو الداعية السلفي إلى عامي أو مبتدئ في الطلب يتردد على مجالس أهل البدع أو يشاهد ويستمع محاضراتهم أو يحضر دروسهم وخطبهم أو يطالع ويقرأ كتبهم ومقالاتهم، فلا يُحذِّره من هؤلاء بأعيانهم ولا يبين له انحرافاتهم؛ بدعوى أنه الآن يعلِّمه التوحيد والسنة والعلوم الشرعية الأخرى ولا يريد إشغاله بمسائل التحذير والرد والكلام في المخالفين في هذه المرحلة!!.
فماذا سيصنع هذا الداعية السلفي لو استقطب أهل البدع ذلك العامي في أول الطريق قبل أن يصل معه إلى المسائل الكبار؟
وكم يحصل مثل هذا الأمر في واقع الناس في هذا الزمان؟!.
ورحم الله أحد السلف حين قال: ((إذا رأيتَ الشابَّ أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه، فإنَّ الشاب على أول نشوئه))، وقد ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية عن الإمام أحمد، وذكره ابن بطه عن عمرو بن قيس الملائي.
فتحذير العوام وطلبة العلم الصغار من أعيان المبتدعة الذين قد يتأثرون بهم من خلال القنوات الفضائية أو الدروس والخطب والكتب المنتشرة في واقعهم المحيط بهم واجب على الدعاة وطلبة العلم.
أما أن نغلق باب التحذير من أعيان المبتدعة مع العوام والمبتدئة تماماً بدعوى تربيتهم على صغار العلم قبل كباره؛ فهذا أمرٌ لا يقبله شرع ولا عقل، لأنَّ هؤلاء العوام والناشئين هم أول وأكثر المتأثرين بأهل البدع، وهم محلُّ دعوتهم واستقطابهم، وأما طلبة العلم فهؤلاء يميزون بين الحق والباطل، فكيف يكون الكلام في أهل البدع محصوراً بين أهل العلم وطلبته؟!
والحكمة في ذلك إنما تكون من خلال تحين الفرص المناسبة لمثل هذا التحذير والبيان، واختيار الأسلوب الأفضل في ذلك حتى لا يقع ما يخشاه من الإعراض عنه والنفرة منه.
وليس ثمة تعارض بين التدرج في الدعوة والتعليم وبين الكلام في أعيان المبتدعة وانحرافاتهم والرد عليهم؛ فكما أنَّ التدرج في الدعوة والتعليم أمر مطلوب شرعاً وهو من الحكمة حتماً، فكذلك تحذير العوام والمبتدئة من أعيان أهل البدع الذين قد يتأثرون بهم في مرحلة من مراحل التعليم أمر مطلوب شرعاً وهو من الحكمة أيضاً.
وقد سُئل الشيخ ربيع حفظه الله السؤال الآتي كما في [فتاوى فضيلة الشيخ ربيع 1/218]: ما هي الطريقة المثلى التي يسلكها الإمام السلفي لتعليم العوام أمور دينهم خاصة المسائل المنهجية، فإذا أراد مثلاً أن يحذَّرهم من شخص أو من جماعة، فما هو السبيل الذي يسلكه معهم لتعليمهم هذه الأمور، خاصة وأنَّ العامة ينفرون من مثل هذه المسائل؟
فكان جوابه وفقه الله تعالى: ((الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه؛ أما بعد: فإنَّ على حملة العلم من العلماء وكبار الطلاب الذين شدوا في العلم أن يعلموا الناس، ويبلغونهم رسالة الله عز وجل في المدارس والجامعات والمساجد وفي الندوات، وفي الوسائل المشروعة؛ لأنَّ هناك وسائل محرمة، هناك وسائل مشروعة إذا ظفر بها المسلم فعليه أن يستغلها لنشر دعوة الله تبارك وتعالى، لأنَّ العلماء ورثة الأنبياء.
والأنبياء دعاة إلى الله تبارك وتعالى، بعثهم الله ليدعوا الناس إلى توحيده والإيمان به، والإيمان بما أوجب الله من الإيمان به من الإيمان بالرسل والملائكة والكتب والجنة والنار، وما يتعلق بهما من البعث والنشور، وعذاب القبر، والمرور على الصراط، وغيرها مما له تعلق بالعقيدة والدعوة، والتعليم بالتفصيل بقدر ما يستطيع، والعوام يفهمهم بالتفصيل بقدر ما يستطيع، لأنَّ هذه الأمور التي ذُكرت الآن أساسية وعظيمة ولابد منها، ولا يكون المرء مؤمناً إلا بها، فيركز على هذه الأمور، ثم على الصلاة بالتفصيل فيها، حتى يعرف الناس كيف يعبدون ربهم ويقومون بهذا الركن العظيم الثاني، لأنَّ الركن الأول الشهادتان، ويعلمهم أمور الزكاة والصوم والحج، وتحريم المحرمات من الزنا والفحش وشرب الخمر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وسائر المحرمات التي يجب على المسلم أن يجتنبها، كذلك الغيبة والنميمة، وسائر الكبائر التي حذر منها الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه وذكرها رسوله عليه الصلاة والسلام، وكثير منها يعني معروف لدى خاصة الناس وعامتهم، ولكن عندما يحدثهم الإنسان بعلم وبتفصيل وبسياق الأدلة يزيد الناس علماً وبصيرة، فتقوى فيهم ملكة التقوى ومراقبة الله تبارك وتعالى.
ثم من خلال هذا التعليم إذا جاء داع إلى التحذير من البدع يحذر منها على وجه العموم، وإذا كان هناك مَنْ له نشاط في نشر البدع والضلالات فيذكر هذه البدع وينسبها إلى قائلها ويفندها بعلم وحكمة، لا بقصد التشفي ولا بقصد الطعن في الناس والتشويش؛ فإنَّ هذه المقاصد السيئة قد تحول هذا العمل إلى معصية، فالمرء يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بهذا النصح وبهذا التحذير، يريد بذلك وجه الله وحماية الناس من الأضرار التي تلحقهم في دينهم وتعرضهم لسخط الله في الدنيا والآخرة، يكون هذا مقصده مقصداً سامياً، يريد بذلك وجه الله ونفع الناس وإبعادهم عن الشر وما يضرهم في دينهم ودنياه.
فالطريقة والأسلوب يختلف من شخص إلى شخص، ولكل حادث حديث كما يقال، ويرى الحاضر ما لا يراه الغائب، والمواقف تُعلِّم الإنسان كيف يتكلم؟ كيف يعالج مثل هذه المشاكل؟، ليس هناك قالب واحد وصورة جامدة يبقى على طول حياة الإنسان يلتزمها، وإنما هي مواهب من الله، وعطاء من ربنا سبحانه وتعالى، يوفِّق الله أناساً فينفع الله بهم.
ويحاول الداعية إلى الله سواء كان إمام مسجد أو غيره أن يضع نصب عينيه: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، فهذه ترسم جانباً من جوانب الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، بل ترسم أصولاً من أصول الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، أن يضعها المسلم نصب عينيه، يعالج بها المشاكل، ويفيد بها الناس، ويذهب بهم إلى دين الله الحق، هذا ما أقوله إجابة على هذا السؤال)).
وقال حفظه الله أيضاً كما في [مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع 14/282-283]: ((الناس كانوا يقرءون كتب الفكر المنحرف كثيراً وكثيراً، والمكتبات متخمة ومليئة بكتب الضلال والبدع، ولا يتكلمون بمثل هذا الأسلوب، فلما أقبل الناس على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ووجدوا من الكتب ما يحذرهم من البدع والضلال قالوا: لا تشتغلوا بهذه الأشياء!، لا تشغلوا أنفسكم بهذه الأشياء!، لا تتركوا العلم!.
هذه الردود من العلم، معرفة الهدى من الضلال، ومعرفة الخير من الشر هذا، والله من العلم الواقي؛ كما يقول حذيفة رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، فلابدَّ من معرفة كتب أهل البدع والضلال، يعني عن طريق هذه الكتب التي تنتقدها، وإلاَّ ما ضاع كثير من الشباب إلاَّ حينما فقدوا مثل هذه الكتب التي تحصنهم، فهذه الكتب فيها تحصين للشباب.
وأنا أُمثِّل مَنْ يربي ولا يحصِّن ولا يضع حماية للشباب كمن زرع وتأتي الحيوانات والحشرات والثعالب و... و...الخ فتأكل هذا الزرع، فإذا ما فيه سياج، ما فيه حماية؛ وهو التحذير من البدع، ضاع الناس .
لهذا نجح السلف إلى حد بعيد حينما استخدموا أسلوب التحذير من أهل البدع، نجحوا في الحفاظ على السنة والجماعة، فلما هدم هذا السور، وخفت العناية بحماية المجتمع السني من غزو أهل البدع، غزاهم أهل البدع فاحتووهم، فانتشرت القبور و الخرافات ... الخ.
هنا في هذه البلاد، كانت فيه حماية جيدة ضد أهل البدع، فجاء هؤلاء ولبسوا لباس السنَّة فخدعونا، وما وجدوا حماية، فأخذوا شبابنا.
هذه الكتب من يريد الحق والله يقرأ فيها يجد فيها التمييز بين الحق والباطل، ويجد حينها حصانة وحماية من هذه الأمراض، وكما نحصن ونطعم أطفالنا من الأمراض ونعني بذلك عناية شديدة، وكذلك يجب أن نعنى بعقول أبنائنا، فنحميها، ونحذرها ، ونوعيها حتى تستطيع أن تميز بين الخير والشر)).
وسُئل حفظه الله كما في [مجموع كتب ورسائل وفتاوى الشيخ ربيع 14/277-278]: هل يسعنا نحن طلاب العلم السكوت عن البتدعة، ونربي الطلاب والشباب على منهج السلف دون ذكر المبتدعة بأسمائهم؟
فكان جوابه: ((والله يذكرون بأوصافهم، ويذكرون بأسمائهم إذا دعت الحاجة، فإذا تصدى فلان للزعامة وقيادة الأمة والشباب ويجرهم إلى الباطل يذكر بإسمه، إذا دعت الحاجة إلى ذكر اسمه فلابد من ذكر اسمه.
وبالمناسبة: أحد السلفيين في مصر كان يدرِّس وهكذا عمومات وعمومات فما يفهمون، ثم بدأ يصرح بالجماعات وبالأشخاص، قالوا: ليش يا شيخ ما علمتنا من الأول؟! قال: أنا كنتُ أعطيكم كثير من الدروس وأقول لكم كذا وكذا وأقول لكم كذا وكذا، قالوا: والله ما فهمنا!.
درسنا كتاب الفرق والمذاهب وحفظناه حفظاً، وما ذكروا الفرق المعاصرة التبليغ والإخوان وغيرهم ماذكروهم العلماء، فما نراهم مبتدعة، حتى اطلعنا على حالهم ودرسناهم، فرأينا ضرورة ذكرهم.
فالحمد لله يعني المشائخ الذين كانوا يتحاشون ذكرهم صاروا يصرحون بأسمائهم ولله الحمد، وهذا واجب، يعني إذا كان ما فيه خطر لا بأس، ولا داعي لذكر الأسماء إذا كان فيه خطر، وهم يجرون الشباب أوساطهم، بل يأخذون بأزمتهم، بل يحاربون بهم أهل السنة، فيجب ذكر أسمائهم، يذكر أسمائهم ولا كرامة لهم، قالوا: إلى الجحيم يا ابن عثيمين خالداً مخلداً فيها أبداً أنت وأتباعك!!!، هذه نظرتهم إلى العلماء، يعتبرونهم كفاراً، هؤلاء خوارج يعني في غاية الغلظة، نسأل الله العافية)).
ومن أجل أن يتبين هذا الأمر بجلاء للإخوة القراء، أحببتُ أن أذكر لهم هذه الأدلة والآثار والنقول التي تدل على بطلان قاعدة: عدم إشغال العوام بمسائل الجرح والتعديل، أو عدم التحدث بالتحذير من فلان وفلان وبيان مناهجهم في مجالس العوام:
أ- فمن الآيات القرانية:
قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)) وقال سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ))، وقال في موضع آخر: ((وإذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ))، وقال: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ))، وقال: ((هذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ))، وقال: ((هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ))، وقال: ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ))، وقال: ((إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ، وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ))، وغيرها من الآيات.
فهذه الآيات تدل على أنَّ الحكمة من إنزال الكتاب وإرسال الرسل والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبيان والبلاغ هو إرشاد الناس وإصلاحهم.
وكلمة (الناس) في هذه الآيات وردت بصيغة العموم (أل الاستغراقية)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ((قول تعالى لعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ" أي: إلا إلى جميع الخلق من المكلفين، كقوله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا"، "تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"))، فلا يخص قوم دون قوم بهذه الدعوة والبيان، بل إنَّ عوام الناس يدخلون في ذلك دخولاً أولوياً، لأنهم كثيراً ما ينخدعون بالأحبار والرهبان وعلماء السوء وشبهاتهم، فالحرص على إرشادهم وهدايتهم وبيان الحق لهم والتحذير من الباطل واجب على العلماء والدعاة والمصلحين.
نعم (بعض) المسائل الدقيقة الخفية قد لا تدركها عقول (بعض) العوام من الناس فلا يُمكن مخاطبتهم بها إلا على سبيل الإجمال؛ لئلا يكون لهم في ذلك فتنة قد تسبب التكذيب بالحق ومعاداة أهله أو كراهة أن يفهموها فهماً خاطئاً، ولهذا بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باباً فقال: ((باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا))، وذكر أثر عليٍّ رضي الله عنه: ((حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ))، وحديث معاذ رضي الله عنه: ((أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا)) فقال له صلى الله عليه وسلم: ((إِذًا يَتَّكِلُوا)).
لكن التحذير من فلان المبتدع الذي يتأثر بمنهجه ودعوته بعض العوام أو المبتدئة في طلب العلم ليس من هذا القبيل، وبخاصة مخاطبة العامة في مسائل ظاهرة عندهم يذمونها ويعرفون آثارها السيئة (مثل: التنظيم الحزبي، والعمل السياسي، والمظاهرات والخروج على الحكام، والتكفير والتفجير، والدعوة إلى وحدة الأديان والتقريب بين الطوائف الضالة، والطعن بالأنبياء والصحابة والأئمة المشهورين والعلماء الكبار، والثناء على رؤوس الضلالة وأئمة الباطل ودعاة الفتنة والشر، إلى غير ذلك).
وكثيرٌ من عوام الناس يفهمون خطاب أولئك المبتدعة في محاضراتهم وخطبهم ويتأثرون به وقد يقومون بنشره والاحتجاج به في بعض مجالسهم!، فمخاطبتهم بالتحذير من ذلك هو من باب الكلام معهم فيما تدركه عقولهم وتفهمه، فهم ليسوا كالدواب التي لا تعقل أو لا تفهم، بل لهم عقول وأبصار وأسماع يميزون بها، أما بعض عوام الناس الذين لا يفهمون خطاب المبتدعة أصلاً ولا يدركون المسائل التي يتحدَّثون فيها فمثل هؤلاء لا يخشى عليهم من أمثال أولئك، وليس هناك مقتضى لذكر هذه المسائل لهم وإشغالهم بها، لكن هؤلاء قلة بالنسبة لغالب العوام الذين لهم عقول تدرك الخطاب وتفهم المسائل الظاهرة المشار إليها آنفاً، فلا يحتجُّ علينا أحد بأمثال هؤلاء القلة لتثبيت أصله الفاسد: عدم إشغال العوام بمسائل الرد على المخالفين والتحذير من المبتدعة بأعيانهم ومناهجهم.
ب- ومن الأحاديث النبوية:
ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"، وما أخرجاه أيضاً عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
فهذان الحديثان نصان صريحان في أنَّ العوام يدخلون في باب النصح، ومعلوم أنَّ التحذير من المبتدعة بأعيانهم وبيان انحرافاتهم المنهجية والرد عليهم يدخل في النصيحة الشرعية.
قال الحافظ ابن رجب البغدادي رحمه الله في [الفرق بين النصيحة والتعيير]: ((فحينئذٍ فرد المقالات الضعيفة وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء، بل مما يحبونه ويمدحون فاعله ويثنون عليه، فلا يكون داخلاً في الغيبة بالكلية، فلو فرض أنَّ أحداً يكره إظهار خطئه المخالف للحق فلا عبرة بكراهته لذلك، فإنَّ كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفاً لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة، بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق ومعرفة المسلمين له سواءٌ كان ذلك في موافقته أو مخالفته، وهذا من النصيحة لله ولكتابه ورسوله ودينه وأئمة المسلمين وعامتهم، وذلك هو الدين كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم)).
وقال بعدها: ((وهذا كله في حق العلماء المقتدى بهم في الدين، فأما أهل البدع والضلالة ومَنْ تشبَّه بالعلماء وليس منهم: فيجوز بيان جهلهم وإظهار عيوبهم تحذيراً من الاقتداء بهم)).
ج- ومن كلام العلماء:1- قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه [باب الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَقَلَةِ الأَخْبَارِ وَقَوْلِ الأَئِمَّةِ فِى ذَلِكَ]: ((وقال محمد سمعتُ عليَّ بن شَقيق يقول: سمعتُ عبدالله بن المبارك يقول على رؤوس الناس: "دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ")).
فهذا ابن المبارك رحمه الله يُحذِّر من عمرو بن ثابت في مجلس العامة، فأين مَنْ يزعم عدم مشروعية هذا؟!
2- وقال الإمام ابن بطة رحمه الله في [الإبانة الكبرى 6/137-138]: ((وإنما ذكرتُ هذه الأقوال من مذاهبهم: ليعلم إخواننا ما قد اشتملت عليه مذاهب الجهمية المقبوحة المنبوحة من ألوان الضلال وصنوف الشرك وقبائح الأقوال؛ ليجتنب الحدث ممن لا علم له مجالستهم وصحبتهم وألفتهم، ولا يصغي إلى شيء من أقوالهم وكلامهم)).
وختم رحمه الله كتابه [الإبانة الصغرى ص326] بقوله: ((وَمِنْ اَلسُّنَّةِ وَتَمَامِ اَلْإِيمَانِ وَكَمَالِهِ: اَلْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ اِسْمٍ خَالَفَ اَلسُّنَّةَ وَخَرَجَ مِنْ إِجْمَاعِ اَلْأُمَّةِ وَمُبَايَنَةُ أَهْلِهِ وَمُجَانَبَةُ مَنِ اِعْتَقَدَهُ وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اَللَّهِ عز وجل بِمُخَالِفَتِهِ.
وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: اَلرَّافِضَةُ وَالشِّيعَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ وَالْحَرُورِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَالزَّيْدِيَّةُ وَالْإِمَامِيَّةُ وَالْمُغِيرِيَّةُ وَالْإِبَاضِيَّةُ وَالْكَيْسَانِيَّةُ وَالصُّفْرِيَّةُ وَالشُّرَاةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْمَنَّانِيَّةُ وَالٌأَزَارِقَةُ وَالْحُلُولِيَّةُ وَالْمَنْصُورِيَّةُ وَالْوَاقِفَةُ وَمَنْ دَفَعَ اَلصِّفَاتِ وَالرُّؤْيَةَ، وَمِنْ كُلِّ قَوْلٍ مُبْتَدَعٍ وَرَأْيٍ مُخْتَرَعٍ وَهَوًى مُتَّبَعٍ، فَهَذِهِ كُلَّهَا وَمَا شَاكَلَهَا وَمَا تَفَرَّعَ مِنْهَا أَوْ قَارَبَهَا أَقْوَالٌ رَدِيئَةٌ وَمَذَاهِبُ سَيِّئَةٌ تُخْرِجُ أَهْلَهَا عَنْ اَلدِّينِ وَمَنِ اِعْتَقَدَهَا عَنْ جُمْلَةِ اَلْمُسْلِمِينَ.
وَلِهَذِهِ اَلْمَقَالَاتِ وَالْمَذَاهِب: رُؤَسَاءُ مِنْ أَهْلِ اَلضَّلَالِ وَمُتَقَدِّمُونَ فِي اَلْكُفْرِ وَسُوءِ اَلْمَقَالِ، يَقُولُونَ عَلَى اَللَّهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَيَعِيبُونَ أَهْلَ اَلْحَقِّ فِيمَا يَأْتُونَ، وَيَتَّهِمُونَ اَلثِّقَاتِ فِي اَلنَّقْلِ وَلَا يَتَّهِمُونَ آرَاءَهُمْ فِي اَلتَّأْوِيلِ، قَدْ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ اَلْبِدَعِ وَأَقَامُوا سُوقَ اَلْفِتْنَةِ وَفَتَحُوا بَابَ اَلْبَلِيَّةِ، يَفْتَرُونَ عَلَى اَللَّهِ اَلْبُهْتَانَ وَيَتَقَوَّلُونَ فِي كِتَابِهِ بِالْكَذِبِ وَالْعُدْوَانِ، إِخْوَانُ اَلشَّيَاطِينِ وَأَعْدَاءُ اَلْمُؤْمِنِينَ، وَكَهْفُ اَلْبَاغِينَ وَمَلْجَأُ اَلْحَاسِدِينَ.
هُمْ شُعُوبٌ وَقَبَائِلُ وَصُنُوفٌ وَطَوَائِفُ، أَنَا أَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ أَسْمَائِهِمْ وَشَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِمْ لِأَنَّ لَهُمْ كُتُبًا قَدْ اِنْتَشَرَتْ وَمَقَالَاتٍ قَدْ ظَهَرَتْ لَا يَعْرِفُهَا اَلْغُرُّ مِنْ اَلنَّاسِ وَلَا النَّشئ مِنْ اَلْأَحْدَاثِ، تَخْفَى مَعَانِيهَا عَلَى أَكْثَرِ مَنْ يَقْرَؤُهَا.
فَلَعَلَّ اَلْحَدَثَ يَقَعُ إِلَيْهِ اَلْكِتَابُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلْمَقَالَاتِ قَدْ اِبْتَدَأَ اَلْكِتَابَ بِحَمْدِ اَللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْأَطْنَابِ فِي اَلصَّلَاةِ عَلَى اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِدَقِيقِ كُفْرِهِ وَخَفِيِّ اِخْتِرَاعِهِ وَشَرِّهِ فَيَظُنُّ اَلْحَدَثُ اَلَّذِي لَا عِلْمَ لَهُ وَالْأَعْجَمِيُّ وَالْغُمْرُ مِنْ اَلنَّاسِ أَنَّ اَلْوَاضِعَ لِذَلِكَ اَلْكِتَابِ عَالِمٌ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ أَوْ فَقِيهٌ مِنْ اَلْفُقَهَاءِ، وَلَعَلَّهُ يَعْتَقِدُ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ مَا يَرَاهُ فِيهَا عَبْدَةُ اَلْأَوْثَانِ وَمَنْ بَارَزَ اَللَّهَ وَوَالَى اَلشَّيْطَانَ.
فَمِنْ رُؤَسَائِهِمْ اَلْمُتَقَدِّمِينَ فِي اَلضَّلَالِ: مِنْهُمْ اَلْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ اَلضَّالُّ؛ وَقَدْ قِيلَ لَهُ وَهُوَ بِالشَّامِ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ أَطْلُبُ رِبًا أَعْبُدُهُ!، فَتَقَلَّدَ مَقَالَتَهُ طَوَائِفُ مِنْ اَلضُّلَّالِ، وَقَدْ قَالَ اِبْنُ شَوْذَبٍ: تَرَكَ جَهْمٌ اَلصَّلَاةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى وَجْهِ اَلشَّكِّ.
وَمِنْ أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ: بِشْرٌ اَلْمَرِيسِي وَالْمِرْدَارُ وَأَبُو بَكْرٍ اَلْأَصَمُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ عُلَيَّةَ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ وَبُرْغُوثُ وَربَالُويَةُ وَالْأَرْمَنِيُّ وَجَعْفَرٌ اَلْحَذَّاءُ وَشُعَيْبٌ اَلْحَجَّامُ وَحَسَنُ اَلْعَطَّارُ وَسَهْلٌ اَلْحرَارُ وَأَبُو لُقْمَانَ اَلْكَافِرُ فِي جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ مِنْ اَلضُّلَّالِ، وَكُلُّ اَلْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ فِيمَنْ سَمَّيْنَاهُمْ إِنَّهُمْ أَئِمَّةُ اَلْكُفْرِ وَرُؤَسَاءُ اَلضَّلَالَةِ.
وَمِنْ رُؤَسَائِهِمْ أَيْضًا - وَهُمْ أَصْحَابُ اَلْقَدْرِ -: مَعْبَدٌ اَلْجُهَنِيِّ وَغَيْلَانُ اَلْقَدَرِيُّ وَثُمَامَةُ بْنُ أَشْرَسَ وَعَمْرٌو بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو الْهُذَيْلِ اَلْعَلَّافُ وَإِبْرَاهِيمُ اَلنَّظَّامِيُّ وَبِشْرُ بْنُ اَلْمُعْتَمِرِ، فِي جَمَاعَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالٍ يَعُمُّ، وَمِنْهُمْ: اَلْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اَلْوَهَّابِ اَلْجُبَّائِيُّ وَأَبُو الْعَنْبَسِ اَلصَّيْمَرِيُّ.
وَمَنْ اَلرَّافِضَةِ: اَلْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ سَبَأٍ وَهِشَامٌ اَلْفُوطِيُّ وَأَبُو الْكروسِ وَفُضَيْلٌ الرَّقَاشِيُّ وَأَبُو مَالِكٍ اَلْحَضْرَمِيُّ وَصَالِحٌ قُبَّةٌ.
بَلْ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَوْا فِي كِتَابٍ أَوْ يُحْوَوْا بِخِطَابٍ، ذَكَرْتُ طَرَفًا مِنْ أَئِمَّتِهِمْ: لِيُتَجَنَّبَ اَلْحَدَثُ وَمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ ذِكْرَهُمْ وَمُجَالَسَةَ مَنْ يَسْتَشْهِدُ بِقَوْلِهِمْ وَيُنَاظِرُ بِكُتُبِهِمْ.
وَمِنْ خُبَثَائِهِمْ وَمَنْ يَظْهَرُ فِي كَلَامِهِ اَلذَّبُّ عَنْ اَلسُّنَّةِ وَالنُّصْرَةُ لَهَا وَقَوْلُهُ أَخْبَثُ اَلْقَوْلِ: اِبْنِ كُلَّابٍ وَحُسَيْنٌ اَلنَّجَّارُ وَأَبُو بَكْرٍ اَلْأَصَمُّ)).
فهذا الكلام من هذا الإمام الهمام بيِّنٌ في أنَّ من السنة وتمام الإيمان التحذير من أعيان المبتدعة ليجتنبهم الأحداث والناشئة وعوام الناس ممن لا علم له ولا يميز بين الغث والسمين.
وقد أكَّد هذا المعنى فضيلة العلامة الشيخ محمد بن هادي المدخلي رحمه الله في شرحه لهذا الكلام [شريط مسجَّل] فقال فيه: ((قال عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، وللأئمة المسلمين، وعامتهم"، وهذا من عامة المسلمين سألك عن فلان؟ إذا كنتَ تعرفه يجب عليك أن تجيبه، وإذا كنتَ لا تعرفه أحله على غيرك، هذا هو الواجب الآن. المصنِّفُ [ابن بطة رحمه الله] متأخرٌ عن هؤلاء المتقدِّمين ويتكلَّم فيهم ويحذِّر الناس منهم ديانة، فهذا يدلُّكم على أنَّ كثيراً من الناس اليوم على خلاف ما عليه السلف الصالحون؛ أعجبهم هذا الكلام أو ما أعجبهم، نحن لا نلتمس رضاهم، يكفينا أنَّ هؤلاء أسلافنا:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
نحن مستعدون أن نأتي لهم بألف إمام هذا شأنه!!، وهم فليأتونا بإمام واحد يقولون لنا هذا شأنه!، إمام من أئمة السنة الذين يقال عنهم أئمة: "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون"، ما يجدون واحداً!، ما يجدون أسلافاً لهم إلا الذي قال لأحمد: يا أحمد إني يصعب علي، يثقل علي، أن أقول كذا وكذا، فلان كذا، وفلان وكذا؟ هذا هو سلفهم، أحمد أنكر عليه، وقال: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا متى يعلم الناس؟!، هذا نصيحة، وأهل الحديث أولى الناس بها، وما قام بها الا أهل الحديث، ونصر الله بهم الدين، وحفظ الله بهم الدين، والذي يريد اليوم أن يتنكَّب عن طريقهم فوالله ليذيقنَّه الله سوء ما يفعل، وليهوينَّ اللهُ به على أم رأسه هاوياً ومتردياً.
فمَنْ نصر السنة وأهلها نصره الله، ومَنْ خالفها وخذلها وأهلها خذله الله، ومَنْ أعلاها أعلى الله ذكره، ومَنْ أراد إهانة أهلها أهانه الله وأخبت ذكره، فعليكم بالتمسك بما قاله هؤلاء السلف رحمهم الله، فكل خير في أتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، فعليكم بالسنة ولا تبالوا بأحد.
ما ضاع الشباب والكثير من عامة الناس اليوم إلا بسبب عدم النصيحة، هذا مبتدع، في عينه مبتدع، رضي أو لم يرض، صوفي، رافضي، خارجي، أي كان من هذا هذه الأصناف، إخواني، تكفيري، سروري، تحريري، أياً كان، غضب مَنْ غضب، ويرضى مَنْ يرضى، "أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه".
فهذا الآن، أُنظر "فمن رؤسائهم المتقدِّمين"، ما منعه أن يحذِّر ممن قد انتهى، لأنَّه قد يقع بين يدي من هو في عصره كتاب من كتب هؤلاء، فيضلون بسببه، فسرد لهم الأسماء، حتى إذا ما جاء ووقع بين أيديهم كتاب من كتب هؤلاء حذروه، قد حذَّرنا منهم ابن بطة رحمه الله، نعم)).
ثم قال وفقه الله: ((هذا هو الذي ذكرناه لهم في أول ذكر الأسماء، إنما ذكر هؤلاء لأجل هذه الثمرة، قال: ذكرتُ طرفاً من أئمتهم، ذكر رؤوساً، وإلا الأتباع يكثر العدد ويصعب الحصر، فلماذا ذكر رؤوس الضلال؟ قال: ذكرتُ طرفاً من أئمتهم؛ لماذا؟ لهذه الحكمة الكبيرة، وهذه الحكمة الكبيرة هي: ليتجنب الحدث يعني الناشئ الشاب الناشئ في العلم المبتدأ، ومَنْ لا علم له، أي ليس له خلفية بهؤلاء، يجتنب ذكرهم، ما يذكرهم، ومجانبة مَنْ يستشهد بقولهم، إذا سمع من يستشهد بأقوال هذه الأسماء عرف أنه صاحب ضلالة، لأنه ما يستشهد لهؤلاء، الاستشهاد يدل على الرضى بالمستشهد بهم، فما يستشهد بقولهم ويناظر بكتبهم إلا مَنْ كان على ضلال، فإنما ذكر هذه الأسماء لأجل أن يتجنب الحدث ويحذر هذه الأسماء، وكذلك مَنْ لا علم له بها، اذا سمعها يجتنبهم ويحذرهم ويحذر مجالسة مَنْ يستشهد بأقوالهم ويناظر بكتبهم، فهذه هي الفائدة من ذكر الإسماء، دين الله تبارك وتعالى حفظ بهذه الطريقة؛ بذكر رموز الضلال والمبتدعة والدعاة الى الضلالات والتحذير منهم ومن مجالستهم وممن يستشهد بأقوالهم ويناظر بكتبهم؛ لأنَّ هذا إنما هو على شاكلتهم، نعوذ بالله من ذلك...، يتجنب مجالسة ايش؟ مَنْ يستشهد بأقوالهم ويناظر بكتبهم، يقول لك اليوم: هذه الكتب فيها خير!، خذ الخير واترك الشر!، وصاحبها من رؤوس الضلالة، هل هذا طريق السلف؟! لا والله، ما هو طريق السلف أبداً، طريق السلف التحذير من كتب أهل الضلال ومن مجالسة أهل الضلال، بل من مجالسة مَنْ يستشهد بهم من باب أولى من مجالستهم هم، أو يدعو لهم واليهم، هذا مَنْ يستشهد بقولهم لا تنبغي مجالسته، نسأل الله العافية، واليوم على خلاف هذا كله، وهذا هو العلم عندهم!، وأهله هم العلماء الصادقين المحققين المتعقلين!، أما إذا حذَّرتَ الناس من الباطل ومن أهله ومن أسبابه فأنت من الغلاة المندفعين!، ما تعرف الحكمة بالدعوة!، الحكمة عندهم يضيعون الناس!، يغشون الناس!، لا ينصحون الناس!، مَنْ الآن سأل ابن بطة هذا الكلام؟! ابتدأ من عنده، أملاه عليه رحمه الله واجب النصيحة، فكيف بمن يسأل ويكتم هذا أشد بالفتنة، نعوذ بالله من ذلك)).
3- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [المجموع 28/ 231]: ((ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلم في أهل البدع؟! فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين؛ هذا أفضل)).
فبيان حال أهل البدع وتحذير الأمة – المتعلمين والعوام – منهم واجب باتفاق المسلمين، فأين مَنْ يزعم أنَّ هذا ليس من الشرع ولا من العقل ولا من الحكمة؟!!
وقال رحمه الله في [درء التعارض العقل والنقل 1/283]: ((قال الشيخ أبو الحسن: "وكان الشيخ أبو حامد الإسْفَرايني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام"، قال: "ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوه إلى الأشعري، ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه؛ على ما سمعتُ عدة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي يقولون سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا:
كان الشيخ أبو حامد أحمد بن أبي طاهر الإسْفَرايني إمام الأئمة الذي طبق الأرض علماً وأصحاباً إذا سعى إلى الجمعة من قطعية الكرج إلى جامع المنصور يدخل الرباط المعروف بالزوزي المحاذي للجامع ويُقبل على مَنْ حضر ويقول: "اشهدوا عليَّ بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق كما قاله الإمام ابن حنبل لا كما يقوله الباقلاني" وتكرر ذلك منه جمعات!.
فقيل له في ذلك؟
قال: حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ويشيع الخبر في أهل البلاد؛ أني بريء مما هم عليه يعني الأشعرية، وبريء من مذهب أبي بكر بن الباقلاني، فإنَّ جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية، ويقرؤون عليه، فيفتنون بمذهبه، فإذا رجعوا الى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة، فيظن ظانٌ أنهم مني تعلموه قبله، وأنا ما قلته، وأنا بريء من مذهب البلاقلاني وعقيدته".
قال الشيخ أبو الحسن الكرجي: "وسمعتُ شيخي الإمام أبا منصور الفقيه الأصبهاني يقول سمعتُ شيخنا الإمام أبا بكر الزاذقاني يقول:
كنتُ في درس الشيخ أبي حامد الإسْفَرايني، وكان ينهي أصحابه عن الكلام، وعن الدخول على الباقلاني، فبلغه أنَّ نفراً من أصحابه يدخلون عليه خفية لقراءة الكلام، فظن أني معهم ومنهم، وذكر قصة، قال في آخرها:
إنَّ الشيخ أبا حامد قال: لي يا بني؛ قد بلغني أنك تدخل على هذا الرجل يعني الباقلاني، فإياك وإياه فإنه مبتدع يدعو الناس إلى الضلالة، وإلا فلا تحضر مجلسي. فقلتُ: أنا عائذ بالله مما قيل، وتائب إليه، واشهدوا عليَّ أني لا أدخل إليه".
قال الشيخ أبو الحسن: "وسمعتُ الفقيه الإمام أبا منصور سعد بن علي العجلي يقول سمعتُ عدة من المشايخ والأئمة ببغداد أظن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أحدهم قالوا: كان أبو بكر الباقلاني يخرج إلى الحمام متبرقعاً خوفاً من الشيخ أبي حامد الإسْفَرايني"، قال أبو الحسن: "ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وعلَّقه عنه أبو بكر الزاذاقاني، وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه اللمع والتبصرة، حتى لو وافق قول الأشعري وجهاً لأصحابنا ميزه، وقال: هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية، ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم!، ومن مذهبهم في أصول الفقه!، فضلاً عن أصول الدين".
قلتُ: هذا المنقول عن الشيخ أبي حامد وأمثاله من أئمة أصحاب الشافعي أصحاب الوجوه معروف في كتبهم المصنفة في أصول الفقه وغيرها)) انتهى النقل من كلام شيخ الإسلام رحمه الله.
قلتُ:
فهذا الإمام أبو حامد الإسْفَرايني رحمه الله كان يُحذِّر من أبي بكر الباقلاني في عدة جمعات لمن حضر في رباط جامع المنصور، ولا ريب أنَّ فيهم عوام الناس، فأين مَنْ استنكر ذكر بعض رموز الفتنة ودعاة الباطل على المنبر تحذيراً للناس منهم، وعدَّه من صنيع الغلاة؟!!
4- وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في مقدِّمة [الفرق بين النصيحة والتعيير]: ((اعلم أنَّ ذِكرَ الإنسان بما يكره محرم؛ إذا كان المقصود منه مجرد الذمِّ والعيب والنقص، فأما إنْ كان فيه مصلحة لعامة المسلمين خاصة لبعضهم، وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة؛ فليس بمحرم بل مندوب إليه. وقد قرر علماء الحديث هذا في كتبهم في الجرح والتعديل، وذكروا الفرق بين جرح الرواة وبين الغيبة، وردُّوا على من سوَّى بينهما من المتعبدين وغيرهم ممن لا يتسع علمه. ولا فرق بين الطعن في رواة حفَّاظ الحديث ولا التمييز بين مَنْ تقبل روايته منهم ومَنْ لا تقبل، وبين تبيين خطأ مَنْ أخطأ في فهم معاني الكتاب والسنة وتأوَّلَ شيئاً منها على غير تأويله وتمسَّك بما لا يُتمسَّك به ،ليُحذَر من الاقتداء به فيما أخطأ فيه، وقد أجمع العلماء على جواز ذلك أيضاً)).
5- وسُئلت اللجنة الدائمة [الشيخ ابن باز رحمه الله، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله، الشيخ عبدالله بن غديان رحمه الله، الشيخ صالح الفوزان حفظه الله] كما في [فتاوى اللجنة الدائمة 12/98-99] السؤال رقم (3): ما موقع تتبع عورات العلماء من الشرع بدعوى التحذير من زلاتهم ولفت نظر الناس إليها؟ مع العلم إنَّ هذا العمل يقوم به طلبة العلم، ويحذِّرون العوام من الناس، وممن يحذِّرونهم من علماء أجلاء أحياناً، كالسيوطي بدعوى إنه أشعري، وغيره كثير.
فكان جوابهم: ((العلماء ليسوا معصومين من الخطأ كما في الحديث: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد"، ولا ينقص ذلك من قدرهم ما دام قصدهم التوصل إلى الحق، ولا تجوز الوقيعة في أعراضهم من أجل ذلك، وبيان الحق والتنبيه على الخطأ واجب، مع احترام العلماء ومعرفة قدرهم، إلا ما كان مبتدعاً أو مخالفاً في العقيدة فإنه يحذَّر منه إن كان حياً، ومن كتبه التي فيها أخطاء؛ لئلا يتأثر بذلك الجهال، لا سيما إذا كان داعية ضلال؛ لأنَّ هذا من بيان الحق والنصيحة للخلق، وليس الهدف منه النيل من الأشخاص، والعلماء الكبار مثل السيوطي وغيره ينبه على أخطائهم، ويستفاد من علمهم، ولهم فضائل تغطي على ما عندهم من أخطاء، لكن الخطأ لا يقبل منهم ولا من غيرهم)).
6- وقد سُئل العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله [الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ص131]: هل يجب على العلماء أن يبينوا للشباب وللعامة خطر التحزب والتفرق والجماعات؟
فكان جوابه: ((نعم، يجب بيان خطر التحزب، وخطر الانقسام والتفرق؛ ليكون الناس على بصيرة، لأنه حتى العوام ينخدعون!، كَمْ من العوام الآن انخدعوا ببعض الجماعات يظنون أنها على حق؟، فلابد أن نُبيِّن للناس - المتعلِّمين والعوام - خطر الأحزاب والفرق؛ لأنهم إذا سكتوا قال الناس: العلماء كانوا عارفين عن هذا وساكتين عليه!؛ فيدخل الضلال من هذا الباب؛ فلا بد من البيان عندما تحدث مثل هذه الأمور، والخطر على العوام أكثر من الخطر على المتعلمين!؛ لأنَّ العوام مع سكوت العلماء يظنون أنَّ هذا هو الصحيح وهذا هو الحق)).
وسُئل حفظه الله تعالى كما في [المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان]: لقد تفشَّى بين الشّباب ورعٌ كاذبٌ؛ وهو أنهم إذا سمعوا النّاصحين من طلبة العلم أو العلماء يحذّرون من البدع وأهلها ومناهجها ويذكرون حقيقة ما هم عليه ويردُّون عليهم وقد يوردون أسماء بعضهم ولو كان ميِّتًا؛ لافتتان الناس به، وذلك دفاعًا عن هذا الدين وكشفًا للمتلبِّسين والمندسِّين بين صفوف الأمّة؛ لبثِّ الفرقة والنِّزاع فيها، فيدَّعون أنَّ ذلك من الغيبة المحرَّمة!؛ فما هو قولُكم في هذه المسألة؟
فكان جوابه وفقه الله: ((القاعدة في هذا: التَّنبيه على الخطأ والانحراف وتشخيصُه للناس، وإذا اقتضى الأمر أن يصرح باسم الأشخاص حتى لا يُغتَرَّ بهم، وخصوصًا الأشخاص الذين عندهم انحراف في الفكر أو انحراف في السّير والمنهج وهم مشهورون عند الناس ويُحسِنون بهم الظَّنَّ؛ فلا بأس أن يُذكَروا بأسمائهم، وأن يُحذَّرَ منهم .
والعلماء بحثوا في علم الجرح والتّعديل، فذكروا الرُّواة وما يُقالُ فيهم من القوادح لا من أجل أشخاصهم، وإنما من أجل نصيحة الأمة أن تتلقَّى عنهم أشياء فيها تجنٍّ على الدِّين أو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقاعدة أولاً أن يُنَبَّهَ على الخطأ ولا يُذكرَ صاحبُه إذا كان يترتَّب على ذكره مضرَّةٌ أو ليس لذكره فائدة، أمَّا إذا اقتضى الأمر أن يصرَّحَ باسمه لتحذير الناس منه؛ فهذا من النَّصيحة لله وكتاب ورسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم، خصوصاً إذا كان له نشاط بين الناس ويحسنون الظَّنَّ به ويقتنون أشرطته وكتبه، لا بدَّ من بيان وتحذير الناس منه؛ لأنَّ في السُّكوت ضرراً على الناس؛ فلا بدَّ من كشفه، لا من أجل التّجريح أو التَّشفِّي، وإنما من أجل النَّصيحة لله وكتابه ورسوله ولأئمَّة المسلمين وعامتهم)).
7- وسُئل العلامة الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في شريط [معاملة أهل البدع]: ما قولكم في شخص يزهِّد في سماع الردود، ولما سُئل عن سبب ما ذهب إليه قال: إنَّ الذي سألني عن ذلك عامي؛ لا يحسن قراءة القرآن، فما تعليقكم بارك الله فيكم؟!
فكان جوابه: ((إذا كان عامياً يُعلَّم العقيدة ويُحذَّر من أهل البدع، العوام الآن أكثرهم أصبحوا جنداً لأهل البدع فلابد من تحذيرهم...، قل له: فلان عنده بدع كذا وكذا، واستماعك له يضرك، فلا يقرؤون له ولا يسمعون أشرطته ويحذرون من كلامه، يعني: العامي هذا بحاجة إلى مَنْ يُحذِّره، فيذكِّره بقاعدة: "إنَّ هذا العلم دين فانظروا عمَّن تأخذون دينكم". فالآن العوام مستهدفون من أهل البدع، يقول لك: لا تتركهم يقرؤون في كتب الردود!!، لا، لا، هذا يعرِّضهم للضياع!)) [وانظر فتاوى ومجموع الشيخ ربيع 14/273].
هذا ما أحببتُ بيانه في هذه العجالة، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الفهم الصحيح والإخلاص والسداد والعدل في أقوالنا وأعمالنا وأحكامنا ومواقفنا، وأن يثبتنا على الحق والهدى، وأن يختم لنا بالحسنى.
كتبه
أبو معاذ رائد آل طاهر
غفر الله له ولوالديه ولأهل الإيمان
ضحى يوم الأحد الثاني والعشرين من شوال 1433هـ
الموافق 9/9/2012 بالإفرنجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق