الجار العزيز قطر وضرورة تصحيح المسار
إن مراعاة حق الجيرة أدب إسلامي رفيع وهي من صلب العادات والتقاليد العربية الأصيلة، كما قال الشاعر:اطلب لنفسك جيرانا تجاورهم … لا تصلح الدار حتى يصلح الجارُ
سواء كانت هذه الجيرة على مستوى الأفراد، أو على مستوى الأسر والمجتمعات، أو على مستوى الدول الشقيقة، فإن مد الجسور التي تحفظ هذه العلاقات وتصونها وتقويها من الأهمية بمكان، وذلك من خلال الاحترام المتبادل والتفاهم الكامل والتعاون البناء واجتناب أذية الآخرين ومراعاة عموم الآداب والأخلاق الإسلامية والعربية بين الأشقاء والأصدقاء.
إن الجيرة بين دول الخليج لها خصوصية متميزة، حيث تجمع هذه الدول خصائص عدة من العقيدة واللغة والتاريخ والمصير والمصالح المشتركة، ومن هنا فقد كانت العلاقات بين هذه الدول متميزة قائمة على التقارب سواء على مستوى حكوماتها أو على مستوى قبائلها وعشائرها أو على مستوى أفرادها ومجتمعاتها، وكانت من ثمرات ذلك: التلاحم الوطيد بين هذه الدول حتى أصبحت كتلة واحدة قوية متينة على يد واحدة في اليسر والعسر.
ولم تكن هذه الجيرة المتميزة محصورة في جانب دون جانب، بل كانت شراكات متعددة الجوانب سياسية واقتصادية وعسكرية وغيرها، بل وشراكات أسرية بالتزاوج والتصاهر، ليس فقط على مستوى الأفراد أو القبائل بل حتى على مستوى الأسر الحاكمة.
ولم تقف ثمرات وآثار هذه الجيرة عند خط معين أو موقف محدود، بل كانت مواقف أخوية مشتركة ومساندات على أعلى مستوى وفي عدة مراحل وعدة أزمات، وما الجهود المتضافرة لهذه الدول في تحرير جارتها وشقيقتها الكويت ورفع الضرر عنها إبان العدوان العراقي عنا ببعيد.
وهذا كله يبين لنا قضية مهمة وهي: القناعة الحقيقية الراسخة لدى دول الخليج بأهمية الشراكة المتينة بينها وضرورة المحافظة على وشائج هذه العلاقة والجيرة المتميزة وأن ذلك كله بالنسبة لها أمر مصيري.
ولكن:
رأينا في الفترة الأخيرة مع ظهور ما يسمى بالربيع العربي بداية انحراف عن المسار وميلا عن هذا الخط لدى الجار العزيز قطر لتشذ بذلك عن بقية دول الخليج، وذلك من خلال ممارسات عدة قامت على الإخلال بأسس الجيرة وعلى نقض البنيان المتين الذي بناه قادات دول الخليج المؤسسون لهذه الوحدة المتميزة.
وقد أكد هذا الانحراف – وللأسف الشديد – الواقع الذي شهد على الجار العزيز بممارساته المنافية لأسس الجيرة وفي مواقف عدة، منها:
1- الأدوار التي أداها بعض الشخصيات في بلد الجار العزيز من كُتَّاب وغيرهم وذلك من خلال الكتابات العدوانية التي تطعن في دول الجيران، وكان التركيز منصبًّا على الإمارات والسعودية.
2- استخدام رموز إخوانية مثل القرضاوي وغيره للطعن في دول الخليج ومنها دولة الإمارات والتحريض عليها والطعن فيها.
3- تجنيد المعارضين لأنظمة الحكم في دول الخليج واحتضانهم ودعمهم بالوسائل الفكرية والمادية.
4- دعم المؤامرات التي يقودها معارضون خليجيون في بعض دول الغرب مثل بريطانيا وتقديم الدعم لهم وتغذيتهم.
5- دعم أكاديميات وندوات لصنع الثورات وتصديرها.
6- تجنيد وسائل إعلامية للتحريش بين الجيران وإثارة الفتن وممارسة التحريض وذلك من خلال قناة تلفازية ذات طابع تحريضي معروف.
فهذه الممارسات وغيرها تذهب ماء وجه الجار العزيز إن لم تكن أذهبته.
وأخير فإننا نُذكِّر الجار العزيز ونقول:
1- إن الممارسات التي انزلق فيها الجار العزيز لا يؤمن معها أن يفقد أفضل حِلف له وهو أشقاؤه من دول الخليج، وحينئذ فهو بتلك الممارسات يُلحق الضرر بنفسه قبل غيره، ولئن كان الجار العزيز يسعى – شعر أو لم يشعر – إلى أن يخسر أشقاءه فإن هؤلاء الأشقاء حريصون غاية الحرص على أن يبادر بتصحيح المسار وأن يضع يده في أيدي إخوانه.
2- إن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن، وإذا ما أصر الجار العزيز على أن يخسر أشقاءه وأرحامه من دول الخليج بمثل تلك الممارسات فقد تكون خسارة كبرى لا يمكن معها التصحيح، وقد يكون ذلك في وقت تتخلى فيه الدول ذات المصالح عن الجار العزيز، فلا يجد حينها من يقف معه لا من دول الخليج الذين آثر أن يخسرهم ولا من دول المصالح؛ لأن ذوي المصالح إذا وجدوا مصالحهم عند غير الجار العزيز فلا أسهل من أن يتخلوا عنه.
ومن هنا فإن الواجب على الجار العزيز أن يسعى ومن الآن إلى تصحيح المسار حيث الفرص ما زالت سانحة والعلاقات وثيقة والوشائج قوية، وأن يرجع إلى الخط الذي مشى عليه مؤسسو دول الخليج وقادتها الذين كانوا في غاية من الحصر على تدعيم الروابط الأخوية بينهم، وتحقيق التفاهم الكامل، ورعاية المصالح المشتركة، وتحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينهم في جميع الميادين، وتعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، ودفع ما يتهددها من أخطار داخلية أو خارجية، وإبعادها عن الصراعات أيا كانت، ذلك هو الواجب على الجار العزيز، وعليه أن يستدرك الأمر قبل فوات الأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق