«الورقات - الجزائر»: في سؤال وجه لفضيلة الشيخ محمد علي فركوس «أبو عبد المعز» حفظه الله، قال السائل: «بعض طلبة العلم المتدرِّجين
في العلم الشرعي يُثني على نفسه في المجالس، ويذكر محاسنها مع الحضور،
وينزِّهها من النقائص والعيوب مثل أن يقول -عند إيراد مسألةٍ فقهيةٍ أو
توجيهٍ أو رأيٍ-: «لم أُسبَق إلى هذا الكلام»، أو يقول: «هذا الكلام لا تجدونه عند غيري»، أو يقول: «هذه خرجةٌ خاصَّةٌ لا أعلم أحدًا وُفِّق إليها» ثمَّ يصفها باسمه، ونحو ذلك من العبارات، فما حكم ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا».
أجاب الشيخ حفظه الله:
«الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فيختلف أمرُ الذي يمدح نفسه ويذكر محاسنها باختلاف نيَّته(١)، فإن كان يذكر ذلك من باب علوِّ النفس والارتفاع بها عن الناس واحتقار الأقران بالتميُّز عليهم، والافتخار بما اكتسبه وحصَّله؛ فإنَّ هذه التزكية مذمومةٌ شرعًا، لقوله تعالى: ﴿فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النجم: ٣٢]، ولفظ الآية عامٌّ شاملٌ لكلِّ من زكَّى نفسه بحقٍّ أو بباطلٍ، وهذه الآية -وإن نزلت في شأن اليهود- فإنَّ «العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ»، ذلك لأنَّ الله تعالى هو العالم بمن يستحقُّ التزكية من عباده ومن لا يستحقُّها، وقد أخبر الله عزَّ وجلَّ عن ذلك بقوله: ﴿فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: ٣٢]، وقوله: ﴿بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [النساء: ٤٩]، فمثلُ هذه التزكية للنفس مشينةٌ ودعوى فاسدةٌ، لأنها أثر العُجب والغرور والبغي والاستطالة بالنفس على الناس، وسلوك سبيل الترفُّع والافتخار حتى يُري أتباعَه والناسَ أنه أعزُّ مكانةً وأكبر منزلةً فيركب أعناقهم ويستعبد قلوبهم، ويريهم فضْلَه عليهم ولا يرى فضْلَهم عليه.
هذا إن كان صاحب النيَّة الفاسدة صادقًا في مقالاته بحيث يكون ممكَّنًا في العلم حقيقةً، محيطًا بمدارك الشرع عارفًا بمقاصده، متفقِّهًا في المسائل التي يُعنى بها في فصولها وتفاصيلها، قائمًا بهذا العلم عملاً ودعوةً.
فإن كان صاحب هذه العبارات يحاكي أهل العلم وطُلاَّبه وليس منهم فإنَّ هذا من الجهل المركَّب فتزكيته لنفسه بهذا الاعتبار مذمومٌ من بابٍ أَوْلى.
أمَّا من مدح نفسه تقصُّدًا منه ليكون قولُه أوقع في القلب وأدعى للقبول في باب النصح والتعليم، أو الوعظ والتأديب، أو للإصلاح بين متخاصمين، أو لدفع شرٍّ عن نفسه، أو من باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وما إلى ذلك، وكان -من حيث أعلميَّته- محقًّا فيها مطابقًا قولُه لِما هو عليه من واقع علمه فإنَّ مثل هذه التزكية محمودةٌ لكونها تجلب مصلحةً دينيةً -من جهةٍ-، وهي -من جهة أخرى- شكرٌ للمنعم سبحانه بالتحدُّث بنعمته عليه عملًا بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١].
وهذه الحالة المحمودة تؤيِّدها العديد من النصوص الشرعية والآثار، منها: قوله تعالى -حكايةً عن يوسف عليه السلام-: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥]، وقول الذي استأجر موسى عليه السلام(2): ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: ٢٧]، وقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ»(3)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ»(4)، وفي البخاريِّ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللهَ، وَلاَ أَنْشُدُ إِلاَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَجَهَّزْتُهُمْ»، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ(5)، وقول سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه: «وَاللهِ إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ...» الحديث(6)، وقول ابن مسعودٍ رضي الله عنه: «وَاللهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ، [وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ]»(7)، وسؤال أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه عائشةَ رضي الله عنها عمَّا يوجب الغُسْلَ؟ فقالت: «عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»»(8)، ومثله قول ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما لمَّا سئل عن البَدَنة إذا أزحفت(9): «عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ..»(10) -يعني نفسه-، قال النوويُّ -رحمه الله-: «ونظائر هذا كثيرةٌ لا تنحصر»(11)، فمثل هذه التزكية جائزةٌ بل مستحبَّةٌ، و«الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(12).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا».
الهوامش:
(١) انظر: «الأذكار» للنووي (٢٤٦-٢٤٨).
(٢) اختلف العلماء في الشيخ الذي استأجر موسى عليه السلام، والمشهور عند الكثيرين أنه شعيبٌ عليه السلام ومِمَّن نصَّ عليه الحسن البصري ومالك بن أنسٍ وغيرهما، وجاء مصرَّحًا به في حديثٍ لكن لم يصحَّ إسناده على ما ذكره ابن كثيرٍ، وقيل: هو ابن أخي شعيبٍ عليه السلام، وهو المنقول عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: إنَّ الذي استأجر موسى عليه السلام يثرى أو يثرون صاحب مدين، ويرى بعضهم أنَّ هذا لا يُدرك إلَّا بخبرٍ، ولا خبر تجب به الحجَّة في ذلك. [انظر: «تفسير ابن كثير» (٣/ ٣٨٤-٣٨٥)، و«صحيح قصص الأنبياء لابن كثير» (٢٦٥)].
(٣) أخرجه البخاري في «النكاح» باب الترغيب في النكاح (٥٠٦٣) من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.
(٤) أخرجه مسلم في «الفضائل» (٢٢٧٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) أخرجه البخاري في «الوصايا» باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا واشترط لنفسه مثل دِلاء المسلمين (٢٧٧٨).
(٦) أخرجه البخاري في «المناقب» باب مناقب سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه (٣٧٢٨)، ومسلم في «الزهد والرقائق» (٢٩٦٦).
(٧) أخرجه البخاري في «فضائل القرآن» باب القرَّاء من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (٥٠٠٠)، والزيادة في آخر الحديث أخرجها مسلم في «فضائل الصحابة» (٢٤٦٢).
(٨) أخرجه مسلم في «الحيض» (٣٤٩).
(٩) أَزْحَفَتْ أي: وقفت من الكلال والإعياء. [انظر: «شرح النووي لمسلم» (٩/ ٧٦)، و«لسان العرب» لابن منظور (٩/ ١٣١)].
(١٠) أخرجه مسلم في «الحج» (١٣٢٥).
(١١) «الأذكار» للنووي (٢٤٨).
(١٢) أخرجه البخاري في «بدء الوحي» باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (١)، ومسلم في «الإمارة» (١٩٠٧)، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.
أجاب الشيخ حفظه الله:
«الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فيختلف أمرُ الذي يمدح نفسه ويذكر محاسنها باختلاف نيَّته(١)، فإن كان يذكر ذلك من باب علوِّ النفس والارتفاع بها عن الناس واحتقار الأقران بالتميُّز عليهم، والافتخار بما اكتسبه وحصَّله؛ فإنَّ هذه التزكية مذمومةٌ شرعًا، لقوله تعالى: ﴿فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النجم: ٣٢]، ولفظ الآية عامٌّ شاملٌ لكلِّ من زكَّى نفسه بحقٍّ أو بباطلٍ، وهذه الآية -وإن نزلت في شأن اليهود- فإنَّ «العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لاَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ»، ذلك لأنَّ الله تعالى هو العالم بمن يستحقُّ التزكية من عباده ومن لا يستحقُّها، وقد أخبر الله عزَّ وجلَّ عن ذلك بقوله: ﴿فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: ٣٢]، وقوله: ﴿بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [النساء: ٤٩]، فمثلُ هذه التزكية للنفس مشينةٌ ودعوى فاسدةٌ، لأنها أثر العُجب والغرور والبغي والاستطالة بالنفس على الناس، وسلوك سبيل الترفُّع والافتخار حتى يُري أتباعَه والناسَ أنه أعزُّ مكانةً وأكبر منزلةً فيركب أعناقهم ويستعبد قلوبهم، ويريهم فضْلَه عليهم ولا يرى فضْلَهم عليه.
هذا إن كان صاحب النيَّة الفاسدة صادقًا في مقالاته بحيث يكون ممكَّنًا في العلم حقيقةً، محيطًا بمدارك الشرع عارفًا بمقاصده، متفقِّهًا في المسائل التي يُعنى بها في فصولها وتفاصيلها، قائمًا بهذا العلم عملاً ودعوةً.
فإن كان صاحب هذه العبارات يحاكي أهل العلم وطُلاَّبه وليس منهم فإنَّ هذا من الجهل المركَّب فتزكيته لنفسه بهذا الاعتبار مذمومٌ من بابٍ أَوْلى.
أمَّا من مدح نفسه تقصُّدًا منه ليكون قولُه أوقع في القلب وأدعى للقبول في باب النصح والتعليم، أو الوعظ والتأديب، أو للإصلاح بين متخاصمين، أو لدفع شرٍّ عن نفسه، أو من باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وما إلى ذلك، وكان -من حيث أعلميَّته- محقًّا فيها مطابقًا قولُه لِما هو عليه من واقع علمه فإنَّ مثل هذه التزكية محمودةٌ لكونها تجلب مصلحةً دينيةً -من جهةٍ-، وهي -من جهة أخرى- شكرٌ للمنعم سبحانه بالتحدُّث بنعمته عليه عملًا بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١].
وهذه الحالة المحمودة تؤيِّدها العديد من النصوص الشرعية والآثار، منها: قوله تعالى -حكايةً عن يوسف عليه السلام-: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥]، وقول الذي استأجر موسى عليه السلام(2): ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: ٢٧]، وقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ»(3)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ القَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ»(4)، وفي البخاريِّ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَنْشُدُكُمُ اللهَ، وَلاَ أَنْشُدُ إِلاَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» فَجَهَّزْتُهُمْ»، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ(5)، وقول سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه: «وَاللهِ إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ العَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ...» الحديث(6)، وقول ابن مسعودٍ رضي الله عنه: «وَاللهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ، [وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ]»(7)، وسؤال أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه عائشةَ رضي الله عنها عمَّا يوجب الغُسْلَ؟ فقالت: «عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ»»(8)، ومثله قول ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما لمَّا سئل عن البَدَنة إذا أزحفت(9): «عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ..»(10) -يعني نفسه-، قال النوويُّ -رحمه الله-: «ونظائر هذا كثيرةٌ لا تنحصر»(11)، فمثل هذه التزكية جائزةٌ بل مستحبَّةٌ، و«الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(12).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا».
الجزائر في: ٢٢ من المحرَّم ١٤٣٤ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٦ ديسمـبر ٢٠١٢
_________________________________________الموافق ﻟ: ٠٦ ديسمـبر ٢٠١٢
الهوامش:
(١) انظر: «الأذكار» للنووي (٢٤٦-٢٤٨).
(٢) اختلف العلماء في الشيخ الذي استأجر موسى عليه السلام، والمشهور عند الكثيرين أنه شعيبٌ عليه السلام ومِمَّن نصَّ عليه الحسن البصري ومالك بن أنسٍ وغيرهما، وجاء مصرَّحًا به في حديثٍ لكن لم يصحَّ إسناده على ما ذكره ابن كثيرٍ، وقيل: هو ابن أخي شعيبٍ عليه السلام، وهو المنقول عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، وقال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: إنَّ الذي استأجر موسى عليه السلام يثرى أو يثرون صاحب مدين، ويرى بعضهم أنَّ هذا لا يُدرك إلَّا بخبرٍ، ولا خبر تجب به الحجَّة في ذلك. [انظر: «تفسير ابن كثير» (٣/ ٣٨٤-٣٨٥)، و«صحيح قصص الأنبياء لابن كثير» (٢٦٥)].
(٣) أخرجه البخاري في «النكاح» باب الترغيب في النكاح (٥٠٦٣) من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه.
(٤) أخرجه مسلم في «الفضائل» (٢٢٧٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٥) أخرجه البخاري في «الوصايا» باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا واشترط لنفسه مثل دِلاء المسلمين (٢٧٧٨).
(٦) أخرجه البخاري في «المناقب» باب مناقب سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه (٣٧٢٨)، ومسلم في «الزهد والرقائق» (٢٩٦٦).
(٧) أخرجه البخاري في «فضائل القرآن» باب القرَّاء من أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم (٥٠٠٠)، والزيادة في آخر الحديث أخرجها مسلم في «فضائل الصحابة» (٢٤٦٢).
(٨) أخرجه مسلم في «الحيض» (٣٤٩).
(٩) أَزْحَفَتْ أي: وقفت من الكلال والإعياء. [انظر: «شرح النووي لمسلم» (٩/ ٧٦)، و«لسان العرب» لابن منظور (٩/ ١٣١)].
(١٠) أخرجه مسلم في «الحج» (١٣٢٥).
(١١) «الأذكار» للنووي (٢٤٨).
(١٢) أخرجه البخاري في «بدء الوحي» باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (١)، ومسلم في «الإمارة» (١٩٠٧)، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق