بصمات الخير في عهد زايد الخير
في تلك الأيام السالفة وفي ظروف قاسية صعبة ورياح العسر تهب على الجميع بما تحمل من تحديات ومصاعب، والقلوب تتشوف إلى واقع جديد أفضل لا يُدرى كيف السبيل إليه، فلا تتعدى أن تكون أحلاما وأماني وآمال، حيث الأيادي متفرقة لا يجمعها بيت متوحد، والجهود مبعثرة لا يلملمها كيان واحد، والتحديات كبيرة، لتندرج الآمال والتطلعات وسط هذه الظروف القاسية في بند المستحيل لدى الكثيرين، فكيف لصحراء مترامية الأطراف أن تتحول إلى مدن عامرة تنافس أرقى المدن في بهائها وجمالها وتطورها؟!في قلب تلك الظروف كلها خرج الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله يتضوع من عبق الأماني ويرسم بأيادي العزم والتصميم والحنكة والحكمة خطة فريدة للقفز إلى مستقبل مختلف تماما يحمل كل تلك التطلعات ويجعلها واقعا مشهودا.
لقد وقف زايد الخير على ربوة تلك الأماني ينظر فيها إلى المستقبل المأمول نظرة عزم وإصرار، وينظر إلى التحديات فيزداد قوة وإرادة، وينظر إلى شعبه فيزداد شعورا بعمق المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقه، وينظر إلى البلدان الأخرى فيزداد تصميما على ألا يكون شعبه أقل شأنا من الشعوب الأخرى، وينظر إلى السماء نظرة استمداد موقنا بأن الله سبحانه سيعينه وسيوفقه، فإنه لم يشك في ذلك لحظة واحدة، فهو يعلم أنه يريد الخير للعباد والله يحب الخير وأهله ويمدهم بالعون والسداد، ليترجل الفارس المهاب من تلك الربوة حاملا مشروع أمة بأسرها لن يتوانى عن تحقيقه بكل ما أوتي من قوة.
لقد قيل لزايد الخير إن ما ترجوه مستحيل، فابتسم ابتسامةً واثقةً تشف عن معدن فريد، فكيف لرجل يحمل هذه الروح المفعمة بالإيمان واليقين والعزم والحكمة والحنكة أن تفت تلك الكلمات في عضده وأن تثنيه عن مشروعه الكبير في بناء الأمة وإعمار الأرض بالخير، فمضى إلى ما يريد واليقين في داخله يشده إلى ذلك شدا وكأنه يرى المستقبل الزاهر ماثلا أمامه بعين التفاؤل وحسن الظن بالواحد الأحد الذي يستمد منه العون والتوفيق.
لقد شمر الشيخ زايد رحمه الله مع إخوانه حكام الإمارات عن سواعد الجد والتفاني في سبيل بناء دولة عصرية حديثة، لتتكلل هذه الجهود والمساعي بنجاح منقطع النظير، ويتشكل على خريطة العالم دولة جديدة تروي قصص الرجال الأفذاذ الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل ذلك، فقامت في الثاني من ديسمبر 1971م دولة الإمارات العربية المتحدة قوية شامخة شاهدة لأولئك الرجال بالجد والمصابرة والإخلاص، فاجتمعت الكلمة بعد تفرق، وتوحدت الصفوف بعد تمزق، واجتمعت الجهود في بيت واحد متوحد ترتفع في أرجائه كلها رايات مقبلة بكل قوة وعزم على النهضة والتنمية والرقي والازدهار.
لقد كان ما يتحقق على أرض الوطن من الإنجازات الباهرة والتسارع الفريد لعجلة التنمية والنهضة في كافة المجالات وعلى جميع المستويات تنطق بالجهود المبذولة الحثيثة وتروي قصة رجل أجرى الله سبحانه على يده وعلى يد إخوانه الحكام تغيير الواقع إلى حاضر مزدهر يغدق بالرخاء والازدهار والنعيم، لتخضر الحياة وتزهو برونقها وبهائها وأمنها وأمانها.
فعلى المستوى التعليمي افتتحت المدارس ومراكز التعليم والجامعات والكليات وتم استقدام المدرسين الأكفاء وتوفير جميع الاحتياجات التي تيسر على الطالب مشواره التعليمي ووضعت البرامج المتعددة لمكافحة الأمية ونشر العلم والثقافة والوعي، إيمانا من زايد الخير بأن العلم نور ونبراس، وإيمانا منه بأن الشباب هم الثروة الحقيقية للوطن، لتتعاقب الأجيال تتزود من العلم وتستضيء به ويزداد أعداد الحاصلين على الشهادات الجامعية وشهادات التعليم العالي ليشاركوا جميعا في بناء الدولة والنهوض بها.
وعلى المستوى الصحي بنيت المستشفيات والمستوصفات وتم توفير سبل العلاج والخدمات الصحية والطبية في كافة أرجاء الدولة، إيمانا من زايد الخير رحمه الله بأن الإنسان هو الثروة التي لا تعوض وأنه لا بد من رعايته والاهتمام به، وكان دعم القطاع الصحي والعمل المستمر على تطويره وفقا للممارسات العالمية من أولويات دولة الإمارات.
كما تم توفير نظام متكامل من الرعاية الاجتماعية التي امتدت إلى توفير الاحتياجات النفسية والتربوية لجميع الطبقات الاجتماعية المستفيدة، وتم تأسيس العديد من الهيئات لتقديم الرعاية الاجتماعية التي تهتم بشؤون الأطفال والشباب وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم المساعدات الشهرية لفئات الأرامل والمطلقات والمعوقين والمسنين والأيتام وأسر المسجونين وغيرهم.
كما حظيت قضية إسكان المواطنين وتوفير المسكن الملائم لكل مواطن اهتمام كبير من الشيخ زايد رحمه الله تعالى، وتم تأسيس برنامج الشيخ زايد للإسكان لتحقيق الاستقرار السكني للأسر الإماراتية، والعمل يدا بيد مع مؤسسات المجتمع للمساهمة في توفير الحياة الكريمة لأبناء الدولة.
كما تم تأسيس صندوق الزواج وتقديم الدعم المادي وإعداد وتأهيل المقبلين على الزواج بالمهارات والمعارف من أجل المساهمة في تكوين أسرة إماراتية متماسكة ومستقرة.
كما شهدت ميادين التعمير والبناء والبنية التحتية في الدول نهضة وازدهارا، فبنيت الطرق والجسور والأنفاق والمطارات والموانئ والمرافق العامة والبنية التحتية للنقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مما جعلها واحدة من أرقى وأحدث مرافق البنية التحتية تطورا في العالم.
وهكذا امتد الازدهار والبناء والرقي إلى كافة المجالات، وامتدت بصمات زايد الخير وإخوانه الحكام إلى كافة ربوع هذا الوطن المبارك، ليسجل التاريخ اسم زايد الخير بأحرف من نور بما قدمه لأمته من الخير العميم.
كما كان الشيخ زايد رحمه الله وطيب ثراه مضرب المثل في العطايا والإسهامات الخيرية في الداخل والخارج ومد يد المساعدة إلى المحتاجين والمنكوبين أينما كانوا، فقد عرف الشيخ زايد رحمه الله بالسخاء والجود وحب عمل الخير وتكريسه لمبدأ العطاء وتقديم العون للدول الفقيرة والمساعدات المتواصلة للدول النامية.
فتم تأسيس مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية على يد مؤسسها زايد الخير رحمه الله لتقديم العون الإنساني وإنشاء ودعم المشاريع والأنشطة والفعاليات الخيرية والإنسانية داخل الدولة وخارجها، وشملت المئات من برامج المساعدات والإغاثة والمشاريع الخيرية والاجتماعية في كافة المجالات.
كما تم تأسيس صندوق أبوظبي للتنمية في 15 يوليو1971 كمؤسسة وطنية رائدة بمجال تقديم المساعدات الخارجية، حيث يهدف الصندوق إلى محاربة الفقر في الدول النامية ورفع المستوى المعيشي وتوفير فرص العمل لسكانها والرقي بحياة الإنسان وتوفير سبل العيش الكريم له.
كما تم تأسيس جمعية الهلال الأحمر الإماراتي سنة 1986 للإسهام في العمل الإنساني والخيري محليا ودوليا لتلبية حاجات الضعفاء والمنكوبين متميزة بسرعة التواجد في قلب الحدث مهما كانت الظروف والمخاطر، وقد حققت الجمعية قصب السبق في ميدان المساعدات وعمل الخير بفضل الدعم المستمر من زايد الخير وأياديه البيضاء في العمل الخيري والإنساني.
لقد كان زايد الخير رحمه الله الذي قام بنقلة حضارية نوعية شاملة في زمن قياسي يستند إلى منظومة فريدة من القيم السامية المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة ومن الأخلاق والعادات والتقاليد العربية الأصيلة.
إن بصمات زايد الخير ماثلة في كل شبر من تراب هذا الوطن، ولا يزال التاريخ يروي قصة الفارس العربي المسلم الذي كان أمة بما قدم للأجيال من صنائع المعروف ومن العمل المستمر الدؤوب على راحتهم وإسعادهم وتوفير الحياة الكريمة لهم.
رحم الله زايد الخير رحمة واسعة وأجزل له الأجر والمثوبة وأسكنه فسيح جناته ورفع درجته في عليين وجعل ما قدمه ذخرا له يوم القيامة وبارك في ذريته وسدد على الحق خطاهم وعلى رأسهم رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد حفظه الله ورعاه الذي تسلم الراية فأكمل مسيرة التنمية والنهضة والتقدم والازدهار فكان خير خلف لخير سلف.
منقول من مدونة كاتب إماراتي - جزاه الله خيرا -