آخر المواضيع المضافة

السبت، 6 أغسطس 2016

أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى

أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى
الصبر في الدعوة إلى الله تعالى من أهم المهمات، ومن أعظم الواجبات على الدعاة إلى الله - سبحانه وتعالى -، والصبر وإن كان واجباً بأنواعه على كل مسلم، فإنه على الدعاة إلى الله من باب أولى وأولى؛ ولهذا أمر الله به إمام الدعاة وقدوتهم رسول الله عليه الصلاة والسلام: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِالله وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (1)، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} (2)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} (3)، فهذا سيد ولد آدم - صلى الله عليه وسلم - قد أمره الله بالصبر، وأتباعه من باب أولى.
والله - عز وجل - قد أوضح للناس أنه لابد من الابتلاء، والاختبار، والامتحان لعباده، وخاصة الدعاة إلى الله تعالى؛ ليظهر الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، والصابر من غيره، وهذه سنة الله في خلقه، قال سبحانه: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (4)، وقال - عز وجل -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (1).
وقال عليه الصلاة والسلام: ((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه ... )) (2).
وقد ذم الله - عز وجل - من لم يصبر على الأذى من أجل الدعوة إلى الله فقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِالله فَإِذَا أُوذِيَ فِي الله جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ الله} (3)؛ ولهذا قال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ} (4)، وقال تعالى: {مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} (5).
وتبرز أهمية الصبر في الدعوة إلى الله - عز وجل - في عدة أمور، منها:

أولاً: إن الابتلاء للدعاة إلى الله لابد منه، فلو سلم أحد من الأذى لسلم رسل الله عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم إمامهم محمد بن عبد الله عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام فقد أُوذوا فصبروا، وجاهدوا حتى نصرهم الله على أعداء الدعوة إلى الله تعالى، ولاشك أن كل داعية مخلص يصيبه الأذى، وإن سلم أحد فذلك من أندر النوادر.

ثانياً: الصبر يحتاجه الداعية في دعوته إلى الله في ثلاثة أحوال:
1 - قبل الدعوة بتصحيح النية والإخلاص، وتجنب دواعي الرياء والسمعة، وعقد العزم على الوفاء بالواجب.
2 - أثناء الدعوة، فيلازم الصبر عن دواعي التقصير والتفريط، ويلازم الصبر على استصحاب ذكر النية، وعلى حضور القلب بين يدي الله تعالى، ولا ينساه في أمره.
3 - بعد الدعوة، وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن يُصبِّر نفسه عن الإتيان بما يُبطل عمله، فليس الشأن الإتيان بالطاعة، وإنما الشأن في حفظها مما يبطلها.
الوجه الثاني: أن يصبر عن رؤيتها والعجب بها، والتكبر، والتعظم بها.
الوجه الثالث: أن يصبر عن نقلها من ديوان السر إلى ديوان العلانية، فإن العبد يعمل العمل سرّاً بينه وبين الله سبحانه فيكتب في ديوان السر، فإن تحدث به نُقل إلى ديوان العلانية (1).
ثالثاً: الصبر في الدعوة إلى الله - عز وجل - بمثابة الرأس من الجسد، فلا دعوة لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ((الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له)) (1)، فإذا كان ذلك في الإيمان فالصبر في الدعوة إلى الله تعالى من باب أولى.
رابعاً: الصبر في الدعوة إلى الله تعالى من أعظم أركان السعادة الأربعة قال - سبحانه وتعالى -: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (2)، كما قال ذلك سماحة العلامة ابن باز رحمه الله تعالى.
خامساً: الصبر من أعظم أركان الخُلق الحسن الذي يحتاجه كل مسلم عامة وكل داعية إلى الله تعالى خاصة، وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى (3).
سادساً: الصبر في الدعوة إلى الله من أهم المهمات؛ ولهذا ذكره الله - عز وجل - في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعاً كما قال الإمام أحمد (4).
سابعاً: الصبر في الدعوة إلى الله - عز وجل - من أعظم القربات ومن أجل الهبات ولم أعلم -على قلة علمي - أن هناك شيئاً غير الصبر يُجازى ويثاب عليه العبد بغير حساب قال الله - عز وجل -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1)، اللهم إلا الصيام فإن الصيام من الصبر.
ثامناً: الدعوة إلى الله سبيلها طويل تحف به المتاعب والآلام؛ لأن الدعاة إلى الله يطلبون من الناس أن يتركوا أهواءهم وشهواتهم التي لا يرضاها الله - عز وجل -، وينقادوا لأوامر الله، ويقفوا عند حدوده، ويعملوا بشرائعه التي شرع، فيتخذ أعداء الدعوة من هذه الدعوة عدواً يحاربونه بكل سلاح، وأمام هذه القوة لا يجد الدعاة مفرّاً من الاعتصام باليقين والصبر؛ لأن الصبر سيف لا ينبو، ومطية لا تكبو، ونور لا يخبو.
تاسعاً: الصبر في مقام الدعوة إلى الله تعالى هو وصف الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وعليه مدار نجاح دعوتهم إلى الله تعالى، ولاشك أن الداعية إذا فقد الصبر كان كمن يريد السفر في بحر لُجِّي بغير مركب {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} (2)؛ ولهذا أوصى به الحكماء من أتباع الأنبياء، فهذا لقمان الحكيم عندما أوصى ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرن ذلك بالصبر {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (3)، فهو عندما أمره بتكميل نفسه بطاعة الله أمره أن يكمّل غيره وأن يصبر على ما ينزل به من الشدائد والابتلاء.
عاشراً: الداعية إلى الله - عز وجل - لا يكون قدوة في الخير مطلقاً إلا بالصبر والثبات عليه، كما قال سبحانه في صفات عباد الرحمن: { ... وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (1)، وهذه الإمامة في الدين لا تحصل قطعاً إلا بالصبر، فقد جعل الله الإمامة في الدين موروثة بالصبر واليقين {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (2)، فإن الدين كله علم بالحق وعمل به، والعمل به لابد فيه من صبر، والداعية لابد له من أن يعلم الحق ويعمل به حتى يقوم بالدعوة، ولا يقوم بالدعوة إلا بالصبر على ما أصابه.
الحادي عشر: الصبر ينتصر به الداعية على عدوه - مع الأخذ بالأسباب - من الكفار والمنافقين، والمعاندين، وعلى من ظلمه من المسلمين ولصاحبه تكون العاقبة الحميدة، قال - عز وجل -: { ... وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (3)، وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (4)، وحكى الله عن يوسف عليه الصلاة والسلام قوله وبأي شيء نال النصر والتمكين، فقال لإخوته حينما سألوه: {أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (1) , ولابد بعون الله وتوفيقه من النصر للداعية المتقي الصابر العامل بما أمره ربه، ومن ذلك الأخذ بجميع الأسباب المشروعة {وَاصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (2).
الثاني عشر: الصبر من أهم المهمات للداعية؛ لأنه لا يكون داعية مُوَفَّقاً إلا إذا كان صابراً على دعوته وما يدعو إليه، صابراً على ما يعترض دعوته من معارضات، صابراً على ما يعترضه هو من أذى.
الثالث عشر: الصبر يشتمل على أكثر مكارم الأخلاق، فيدخل فيه الحلم؛ فإنه صبر عن دواعي الانتقام عند الغضب، والأناة: صبر عن إجابة دواعي العجلة، والعفو والصفح صبر عن إجابة دواعي الانتقام، والجود والكرم صبر عن إجابة دواعي الإمساك، والكيس: صبر عن إجابة دواعي الكسل والخمول، والعدل صبر إذا تعلق بالتسوية بين المتماثلين، وسعة الصدر صبر عن الضجر، والكتمان وحفظ السر صبر عن إظهار ما لا يحسن إظهاره، والشجاعة صبر عن إجابة دواعي الفرار، وهذا يدل على أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى، وأن الداعية لا يسعه أن يستغني عنه في جميع أحواله.


نقلته من برنامج الشاملة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق