بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدِّين، أما بعد ...
فقال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
(...
النصوص القرآنية والسنة النبوية دليل واضح على أنه ليس المقصود من الأضاحي
مجرد الانتفاع باللحم؛ ولكن المقصود الأعظم شيء وراء ذلك وهو تعظيم شعائر الله والتقرب إليه بالذبح وذكر اسم الله تعالى عليها، وهذا لا يحصل إلا إذا أقيمت هذه الشعيرة في البلاد، ورأها الصغير والكبير وذكر اسم الله عليها؛
وبهذا نعلم أن الأولى والأكمل والأفضل والأقوم لشعائر الله أن يضحي الناس
في بلادهم وأن لا يخرجوا أضاحيهم عن بلادهم وبيوتهم؛ لأن إخراجها عن البلاد
يفوت به مصالح كثيرة ويحصل به شيء من المفاسد فمن ما يفوت به من المصالح:
ــــــــ إظهار شعيرة من شعائر الله في البلاد؛ لأنه إذا لم يضحى في البلاد فإن البيوت تتعطل أو بعضها أو كثير منها عن هذه الشعيرة ولاسيما إذا تتابع الناس فيها فتتايعوا[1].
ــــــــ ومما يفوت به: مباشرة ذبح المضحي لأضحيته؛
فالسُّنَّة أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه، ويسمي الله عليها ويكبره تأسيًا
برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وامتثالًا لقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2] وقوله: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا) [الحج: 36]، قال العلماء وإذا كان المضحي لا يحسن الذبح وَكَّلَّ مسلمًا وحضرها.
ــــــــ ومما يفوت به من المصالح: شعور الإنسان بالتعبد لله تعالى بالذبح نفسه؛ فإن الذبح لله من أجل العبادات وأفضلها ولهذا قَرَنَ الله الذبح بالصلاة في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2].
واسألْ مَن بعث بقيمة أضحيته لخارج البلاد هل يشعر بهذه العبادة العظيمة؟!
هل يشعر بالتقرب إلى الله بها بالذبح؟!! إنه لن يشعر بذلك أبدًا؛ لأنه لم
يذبحها ولم تُذبح أمامه.
ــــــــ ومما يفوت به: ذِكْرُ الله تعالى على الذبيحة وتكبيره وقد أمر الله تعالى بذكر اسمِهِ عليها، فقال جل وعلا: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) [الحج: 36]، وقال تعالى: (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [الحج: 37]،
وفي هذا دليلٌ على أن ذبح الأضحية وذكر اسم الله عليها عبادة مقصودة لذلك،
ومن المعلوم أن نقلها إلى خارج البلد يفوت به هذا المقصود العظيم، بل هذا
المقصود الأعظم، فإن ذلك ـــــ أعني التقرب إلى الله تعالى بذبحها وذكر اسم
الله عليها ـــــ اعظم من مجرد الانتفاع بلحمها والصدقة به لقوله تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [الحج: 37].
ــــــــ ومما يفوت به: الأكل من الأضحية؛
فإن المضحي مأمور بالأكل من أضحيته إما وجوبًا أو استحبابًا ـــ على خلاف
في ذلك بين العلماء ـــ بل إن الله قَدَّم الأمر بالأكل منها على إطعام
الفقير، فقال تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 28]،
فأكل المضحي من أضحيته عبادة يتقرب بها إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ويُثاب
عليها؛ لامتثاله لأمر الله، ومن المعلوم أنَّ بعثها إلى خارج البلاد يمنع
الأكل منها؛ لأنه لا يمكنه الأكل، فيكون بذلك مفرطًا في أمر الله عَزَّ
وَجَلَّ وآثمًا على قول بعض العلماء.
ــــــــ ومما يفوت به من المصالح: أن الإنسان يبقى معلقًا هل يقص شاربه ويقلم أظفاره؛
لأنه لا يدري أذبحت أضحيته أم لا وهل ذبحت يوم العيد أو في الأيام التي
تليه، وقد ذكر بعض العلماء أنه يستحب للمضحي أن يأخذ من ذلك بعد ذبح
أضحيته، لحديث ورد في ذلك وفيه مقال.
فهذه ست مصالح تفوت بنقل الأضاحي إلى بلاد آخرى، ومن المعلوم أن المؤمن يطلب المصالح أينما كانت.
أما المفاســـــــــــــــــــــــــــــد فمنها:
ــــــــ أن
الناس ينظرون إلى الأضحية وهي هذه العبادة العظيمة نظرة اقتصادية مالية
محضة وهي مصلحة الفقير دون أن يشعروا بأنها عبادة يتقربون بها إلى الله،
وربما يشعر أن فيها الإحسان إلى الفقراء وهذا خير وعبادة؛ لأن الله يحب
المحسنين؛ ولكنه دون شعور العبد بالتقرب إلى الله بالذبح؛
فإن في الذبح من تعظيم الله ما تربو مصلحته على مجرد الإحسان إلى الفقراء
ثم إن الفقراء يمكن أن ننفعهم بإرسال الدراهم أو الأطعمة أو الفرش أو
الملابس أو غيرها دون أن نقتطع لهم جزء من عباداتنا المهمة.
ــــــــ ومن المفاسد: تعطيل شعائر الله تعالى أو تقليلها في البلاد التي نقلت منها.
ــــــــ ومن المفاسد: تفويت مقاصد الموصين الأموات إذا كانت الأضاحي وصايا؛
لأن الظاهر من حال الموصين أنهم يريدون مع التقرب إلى الله منفعة ذويهم
وتمتعهم بهذه الأضاحي ولم يكن يخطر ببالهم أن تنقل إلى بلاد أخرى قريبة أو
بعيدة، فيكون في نقلها مخالفة لما يظهر من مقصود الموصين.
ــــــــ ثم إننا أيها الإخوة لا ندري من الذي يتولى ذبحها في البلاد الأخرى! هل هو على علم بأوصاف الأضحية المطلوبة أم سيذبح ما حصل بيده على أي حال كانت؟!
ــــــــ ولا ندري هل سيتمكن من ذبح هذه الأضاحي في وقتها أو لا يتمكن! قد
تكون الأضاحي التي دُفعت قيمتها كثيرة جدًا فيعوز الحصول عليها في أيام
الذبح فتؤخر إلى ما بعد أيام الذبح؛ لأن أيام الذبح محصورة، أربعة أيام
فقط.
ــــــــ ثم أننا لا ندري أيضا هل ستذبح كل أضحية باسم صاحبها أو ستجمع الكمية؛ فيقال مثلًا هذه مائة رأس عن مائة شخص بدون أن يعين الشخص وفي إجزاء ذلك نظر.
أيها
الإخوة إننا أطلنا في هذه المسألة لدعاء الحاجة بل الضرورة إليها؛ لأن من
الناس من ينساب وراء العاطفة دون بصيرة من الأمر، وهذا لاشك لاشك أنه من
الجهل، فلا تضيعوا هذه الشعيرة بإرسال قيمتها إلى خارج البلاد لتذبح هناك،
وانفعوا إخوانكم بما شاء الله من دراهم أو ألبسة أو فرش أو أطعمة أو غيرها،
أما الأضحية فإنها عبادة، لا تفرطوا فيها، اذبحوا ضحاياكم على مشهد من
أهليكم وأولادكم حتى يعرفوا تلك الشعيرة العظيمة.
أسأل
الله تعالى أن يجعلنا جميعا ممن يعبد الله على بصيرة، وأن يهيئ لنا من
أمرنا رشدًا وأن يرزقنا البر والتقوى، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه.) انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى
[جزء مقتطف من خطبة للشيخ رحمه الله تعالى تتعلق بصفة الحج والعمرة وفضل الأضحية: من الدقيقة 20:09 إلى نهاية الخطبة]
من أراد الاستماع إلى الخطبة كاملة انقر هنا على الرابط
أو للاستماع المباشر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تتايعوا، من التتايع، والتَّتايُعُ:
الْوُقُوعُ فِي الشَّرِّ مِنْ غَيْرِ فِكْرةٍ وَلَا رَوِيّةٍ والمُتايَعةُ
عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ فِي الخيْر. وَيُقَالُ فِي التَّتايُع: إِنه
اللَّجاجةُ، قَالَ الأَزهري: وَلَمْ نَسْمَعِ التَّتايُع فِي الْخَيْرِ
وإِنما سَمِعْنَاهُ فِي الشَّرِّ. والتتايُع: التهافُت فِي الشَّرِّ
واللَّجاج وَلَا يَكُونُ التَّتَايُعُ إِلا فِي الشَّرِّ. [ينظر لسان
العرب: 8/38]. [الهامش من وضع ناقلة الموضوع على الشابكة: أم سلمة
المالكية]