روى
البخاري (2067) ومسلم (2557) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ
يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الأدب المفرد" (1 / 24) :
"
الحديث على ظاهره ، أي : أن الله جعل بحكمته صلة الرحم سبباً شرعياً لطول
العمر وكذلك حسن الخلق وحسن الجوار كما في بعض الأحاديث الصحيحة ، ولا
ينافي ذلك ما هو معلوم من الدين بالضرورة أن العمر مقطوع به ؛ لأن هذا
بالنظر للخاتمة ، تماماً كالسعادة والشقاوة ، فهما مقطوعتان بالنسبة
للأفراد فشقي أو سعيد ، فمن المقطوع به أن السعادة والشقاوة منوطتان
بالأسباب شرعاً .
وكما
أن الإيمان يزيد وينقص ، وزيادته الطاعة ونقصانه المعصية ، وأن ذلك لا
ينافي ما كتب في اللوح المحفوظ ، فكذلك العمر يزيد وينقص بالنظر إلى
الأسباب فهو لا ينافي ما كتب في اللوح أيضاً " انتهى .
قال الطحاوي رحمه الله :
"
يحتمل أن يكون الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النسمة جعل أجلها إن برت كذا
وإن لم تبر كذا ، لما هو دون ذلك ، وإن كان منها الدعاء رد عنها كذا ، وإن
لم يكن منها الدعاء نزل بها كذا ، وإن عملت كذا حرمت كذا ، وإن لم تعمله
رزقت كذا ، ويكون ذلك مما يثبت في الصحيفة التي لا يزاد على ما فيها ولا
ينقص منه " انتهى .
"بيان مشكل الآثار" (7 / 202) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"
الْأَجَلُ أَجَلَانِ " أَجَلٌ مُطْلَقٌ " يَعْلَمُهُ اللَّهُ " وَأَجَلٌ
مُقَيَّدٌ " وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ
وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ
الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَجَلًا وَقَالَ : " إنْ وَصَلَ رَحِمَهُ
زِدْتُهُ كَذَا وَكَذَا " وَالْمَلَكُ لَا يَعْلَمُ أَيَزْدَادُ أَمْ لَا ؛
لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَإِذَا
جَاءَ ذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (8 / 517) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" معناه : أن الله سبحانه وتعالى وعد من يصل رحمه أن يثيبه وأن يجزيه بأن يطيل في عمره ، وأن يوسع له في رزقه جزاءً له على إحسانه .
ولا
تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي فيه أن كل إنسان قد قدر أجله ورزقه
وهو في بطن أمه ؛ لأن هناك أسبابًا جعلها الله أسبابًا لطول العمر
وأسبابًا للرزق ، فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول
الأجل وسبب لسعة الرزق ، والله جل وعلا هو مقدر المقادير ومسبب الأسباب ،
هناك أشياء قدرها الله سبحانه وتعالى على أسباب ربطها بها ورتبها عليها إذا
حصلت مستوفية لشروطها خالية من موانعها ترتبت عليها مسبباتها قضاءً وقدرًا
وجزاءً من الله سبحانه وتعالى " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (98 / 1) .