آخر المواضيع المضافة

الأربعاء، 6 مارس 2013

هل أثنى العلماء على فقه الزكاة ليوسف القرضاوي

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
يذكر أحد الإخوة أن العلماء أثنوا على كتاب فقه الزكاة للقرضاوي فهل هذا صحيح ؟
وهل يمكن الاستفادة من هذا الكتاب لهذا الرجل ؟
وجزاكم الله خير ا.


الجواب:
 
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :

فيوسف القرضاوي أمره معروف عند علمائنا - من أهل السنة - بانتمائه إلى الإخوان المسلمين، وانحراف كثير من فتاواه عن الطريقة الصحيحة التي يسير عليها أهل العلم.
وهو من كبار "الإخوان المسلمين"، وكثير من فتاواه وتأصيلاته وتقعيداته وكتبه تخدم المنهج الإخواني، وما ظهر على "قناة الجزيرة" إلا ليخدم المنهج الإخواني.
والقرضاوي من كبار دعاة فقه التيسير في هذا العصر [1] ومن تأمل فتاواه وسمع له علم ذلك يقينا.
والقرضاوي ممن ندين الله تعالى بأنه لا يعتمد عليه في الفتوى، إلا عند من وافقه على طريقته من الإخوان المسلمين ممن يثني عليه بحكم الرابطة المنهجية.
وأما كتابه "فقه الزكاة" فقد أثنى عليه مشايخ، والذي أعرفه أن أكثر الذين أثنوا عليه هم من "الإخوان المسلمين"، ولا يمنع أن يكون هناك من يثني عليه من غيرهم، بل ربما حتى من المشايخ الذين ينتسبون لطريقة أهل السنة والجماعة السلفيين، لكن هؤلاء قليل في حدود علمي.
ومن تأمل في كتابه "فقه الزكاة" وجد أن عليه ملاحظات كثيرة منها:
أولا: تعبيره عن الزكاة بأنها ضريبة إسلامية، وهذا تعبير غير صحيح لما يلي:
أن الضريبة إنما يفرضها الملوك الظلمة على من عصم الله أموالهم من المسلمين، بخلاف الزكاة فإنه فريضة شرعية فرضها الله تعالى على عباده المؤمنين.
وأيضا من أخذت الدولة عليه ضريبة لا يجوز له احتسابها من الزكاة للفرق بين الأمرين، ظاهرا وباطنا، ولذلك أفتى جماعة من العلماء بأن أخذ الضريبة لا يجزئ عن الزكاة كالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ [2] وآخرين.
ولكن على القول بأن الزكاة ضريبة - كما قال القرضاوي - يلزم القول بإجزاء الضريبة عن الزكاة وفيه ما فيه.
بل يرى القرضاوي أن كونها ضريبة - تعمم على جميع الناس - مما يدفع التفرقة بين المواطنين - في البلد الواحد - ولو اختلف دينهم.
يقول القرضاوي في "فقه الزكاة":
(إننا لا نشك أن الزكاة لا تجب - وجوبا دينيا - على غير المسلمين من حيث هي عبادة وشعيرة، ولكن ألا يجوز أن يؤخذ منهم مقدارها على أنها ضريبة من الضرائب تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء؟ فالمسلم يدفعها فريضة وعبادة، وغيره يدفعها ضريبة! وبذلك نتفادى التفرقة بين المواطنين في دولة واحدة).
وقول القرضاوي المتقدم إنما هو نابع من قوله بالمواطنة [3].
وثانيا: عبارات غير جيدة تدل على نوع من التجاوز في حق أهل العلم، مثل قول القرضاوي: (أما موضوع الزكاة فلم يأخذ حقه من عناية العلماء والباحثين. ولم يخدم كما ينبغي لموضوع مثله، له مكانته ومنزلته فى فرائض الإسلام وفى نظامه المالي والاقتصادي والاجتماعي).
وقوله: (وهناك مسائل قديمة اختلف فيها الفقهاء من قديم، وكل أبدى رأيه، وذكر أدلته، وترك أصحاب الفتوى يناقض بعضهم بعضا، كل ينصر مذهبه، ويعضد إمامه، وجمهور المستفتين في حيرة أمام تناقض المفتين، فكانت الحاجة ماسة أشد المساس إلى إعادة النظر في هذه الأقوال وأدلة كل منها، ومناقشتها في حياد وإنصاف).
فلم يعرف الناس الإنصاف - طيلة هذه القرون - حتى جاء القرضاوي.
وثالثا: أنه قد يحيل إلى بعض الكتب التي ألفها بعض الشيعة المعاصرين كما في المقدمة، ولا يستغرب هذا منه، فإنه - من حيث الدراسة الجامعية - ينتمي إلى مدرسة تعتبر مذهب الإمامية والإباضية من المذاهب الفقهية، ومن حيث المنهج الدعوي فهو ينتمي إلى "الإخوان المسلمين" وهي مدرسة تسعى بكل ما أوتيت - إلى يومنا هذا - إلى التقريب بين مذهب أهل السنة والجماعة - طريقة السلف الكرام - وبين الرافضة الاثني عشرية، متجاهلين ما بينهما من خلاف في أصول الإسلام.
يقول القرضاوي في "فقه الزكاة" (1/20):
(لم أقتصر على المذاهب السنية، فرجعت إلى فقه الزيدية والإمامية، لعلمي أن الخلاف بيننا وبينهم في الفروع قليل ميسور).
ويكفي أن نرد عليه بقول الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء": (وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز وباليمن، لكنه معدود في أقوال أهل البدع، كالإمامية) أ.هـ
والمؤاخذات عليه كثيرة، وإنما اخترت بعضها ليعلم القارئ ما نذكره عنه، والذي أدين الله به في هذا الكتاب ما يلي:
أولا: أن هذا الكتاب يمكن أن يستفيد منه الطالب الباحث في معرفة أقوال المذاهب، ومعرفة الخلاف ومعرفة بعض الأنصبة والموازين والمقادير العصرية، ولكن دون الاعتماد على ترجيحاته واختياراته في المسائل الفقهية، لأن اختياراته تشعرك بقلة الإنصاف وعدم الدقة في التحري.
وثانيا: أن الكتاب لا يستحق أن يثنى عليه عند عامة الناس، أو يشار إليه، أو يحال عليه، لما عرفت من المؤاخذات عليه وعلى مؤلفه. [4]
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله.

كتبه : أبو عمار علي الحذيفي
24 ربيع ثاني 1434 هـ
___________________________________________
[1] والمقصود بدعاة التيسير من يفتي بما يوافق متطلبات هذا العصر ويخضع الفتوى للمتغيرات العصرية، دون مبالاة بأحكام الشريعة في التحليل والتحريم، وهو فكر ينادي به بعض الدعاة المعاصرين، ولعل الله تعالى ييسر أن نتحدث عنه في وقت آخر.
[2] "فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم".
[3]والمواطنة: هي التسوية بين المواطنين لاشتراكهم في وطن واحد، دون تفريق بين الناس في الدين، ويترتب عليها إلغاء كل الفوارق الشرعية بين الكافر والمسلم، وهي ما تعيشه كثير من الدول اليوم تحت ما يسمى بالديمقراطية.
[4] وننصح الإخوة أن يراجعوا ما كتبه الناقدون لفكر القرضاوي ومنهجه، وكنت قد كتبت شيئا من ذلك – معتمدا على كلام أهل العلم بعد الله تعالى – في "الإخوان المسلمون في ميزان الشريعة". 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق