مراجعة التاريخ تؤكد على خطورة سياسة احتواء الخصم المخالف
د. إبراهيم بن عبدالله المطلق
إن بناء الحضارة ورقي الأمم وسؤددها إنما يكون لمن استقرأ التاريخ واحتكم إلى وقائعه واستفاد من قصصه وأحداثه وإن من العجب أن ترى مراجعة التاريخ وتذكره والاستفادة من حوادثه وسيادتها لدى الدول الكبرى بل لو تأملت في سبب رقيها وتقدمها وسيادتها للأمم وريادتها للعالم لرأيت أن من أهم أسباب ذلك الرجوع إلى التاريخ وعدم إغفاله ونسيانه بل تهميشه تماما كما يفعله الكثير من قادة الأمة الإسلامية ومثقفيها وفي الحقيقة أننا نحن المسلمين أحق وأولى بتأمل التاريخ والرجوع إليه والاستفادة مما أورده من حقائق وقصص وحوادث أدت إلى تغيير خارطة العالم وسقوط دول ومحوها من الوجود ومثل هذه الحوادث لا تزال تتكرر في عدد من الأزمنة والعصور ولكي نحافظ على كياننا وريادتنا وسؤددنا وإسلامنا فلا يستطيع مغرض أو حاقد أو طامع أن يخترق صفوفنا أو يفرق جمعنا أو يشتت شملنا ليحقق شهواته أو شبهاته لا بد لنا من العودة الصادقة إلى واقع التاريخ.
وكثير من الشواهد التي سطرها التاريخ كشفت بل فضحت خطورة الخصم المخالف لمبادئ وعقيدة وأخلاق الحاكم في لعب دور هام جدا في محاولة القضاء على النظام وإسقاطه وما ذاك إلا ثمرة سياسة احتواء الخصم.
أؤكد على هذه القضية لما يرى في الساحة اليوم من إحسان ظن بعض القائمين على الأنظمة وأولي السلطة في كثير من عالمنا العربي والإسلامي بأشخاص بعيدين كل البعد عن فكر وعقيدة النظام الحاكم ويبطنون له ما لا يظهرون من الحنق والحقد والتآمر وربما يكون بعضهم عملاء لمنظمات أو مؤسسات أو حكومات أجنبية فيعمد البعض إلى تقريبهم واستشارتهم وتوليتهم مناصب كبيرة إما ثقة بهم وانخداعا بثقافاتهم أو بحجة احتوائهم والأمن من شرهم ومكرهم سيما إذا كانوا ممن يمتلكون التأثير في الجمهور بأساليبهم الجذابة وألسنتهم المعسولة فانخدع بهم كثير من الناس وكونوا شعبية تؤيدهم وتدعمهم فيعمد بعض القائمين على أنظمة الحكم بالعمل بسياسة الاحتواء مع معرفته بسواد ملفاتهم وماضيهم في زرع الفتن وملء قلوب العامة بالحقد والبغض لحكامهم وما أظن فكرة سياسة الاحتواء إلا بنية أفكارهم وهم ونابعة منهم هم ذلك أنهم وكما أشرت في مقالات سابقة استطاعوا التغلغل والوصول إلى العمق في الأنظمة الحاكمة فهم ينتهزون الفرص ويحرصون على تمكين كل من ينتمي إلى فكرهم وترشيحه لأهم المناصب والإدارات ويقبل بعض أصحاب القرار بمشورة الاحتواء طمعا في التحييد وظنا أن المنصب سيجعله يتنازل عن مبدئه وفكره وبالتالي يؤمن شره وكيده وحقيقة الأمر أن هذا الاحتواء لا يحقق المطلوب بل على العكس تماما فهم وكما أثبت التاريخ في السابق خونة وأهل غدر ومكر يتحينون الفرص ويتربصون بمن احتواهم وأكرمهم وما أشبه الليلة بالبارحة بل هذا ما يؤكده الواقع اليوم فالملاحظ أنهم يستثمرون تلك المواقع وهذه الثقة فيما يخدم فكرهم ومصالحهم ويحقق مآربهم وما يعيشه العالم العربي والإسلامي اليوم من فتن وويلات ومحن وتفجيرات شاهد على صحة هذا الطرح وإن من الكياسة والفطنة وبعد النظر أن تتحول سياسة الاحتواء إلى الرعايا والشعوب فمتى ما وفق الحاكم لتفقد رعيته والقرب منهم بقضاء حاجاتهم وسداد مديونيهم وعلاج مرضاهم استطاع بذلك أن يستولي على لباب قلوبهم وأن يأخذ بعواطفهم فالنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.
بل واستطاع بذلك أيضا أن يحرم هذا الخصم فرصة العبث بعواطف الناس واستثارتهم على حكامهم وملء قلوبهم بالأحقاد والبغضاء مستغلا الأمور المادية والدنيوية في إيجاد الفجوة بين الرعية ورعاتهم ومن ثم الحصول على شعبية وكم من الرعية لمواصلته ومناصرته ودعمه حسيا ومعنويا وماديا والتخلي في أحرج المواقف وأشدها تأزما عن حكامهم وقادتهم واللبيب من اعتبر بغيره قبل أن يكون هو عبرة للآخرين.
الدكتور/ إبراهيم عبدالله المطلق - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
جريدة الوطن - الخميس 5 جمادى الآخرة 1425هـ الموافق 22 يوليو 2004م - العدد (1392).
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق