هل يجوز التنازل عن
الواجبات مراعاة للمصالح والمفاسد وعند الحاجات
والضرورات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد :فهذة كلمات نقلتها من مقال للشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تكتب بماء الذهب , ولو طبقت في أرض الواقع لحلت اشكالات كثيرة. و الآن حان الشروع في المقصود.
قال الشيخ ربيع حفظه الله :( إن ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة من ترك مصلحة مرجوحة لدرء مفسدة كبيرة, درؤها هو الراجح والمقدم .
هذه المفسدة هي خشية أن ترتد قريش وغيرهم من العرب لمكانة الكعبة في نفوسهم , ونفوس آباءهم وأجدادهم , إذ هي مصدر فخرهم واعتزازهم .
فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم لدرء هذه المفسدة .
فعمل الرسول هذا تقعيد لقاعدة عظيمة , وتأصيل متين لأمته ليواجهوا به الأحداث والمشاكل الدينية والسياسية والاجتماعية وغيرها .
وإذن فترك الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا العمل ليس من باب ترك عمل فرعي , وإنما هو دفع لفتنة وتأصيل للأمة لتواجه به الأخطار والمشاكل والفتن .
ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح , وسد الذرائع المفضية إلى الأضرار والفاسد من الأصول العظيمة التي لا يقوم الإسلام وحياة المسلمين إلا عليها .
خذ مثلاً قول الله تعالى :
) وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ( (الأنعام: من الآية 108) .
فإن سب أوثان المشركين حقٌّ وقُربةٌ إلى الله وإهانة للأنداد , لكن لما كان يؤدي إلى مفسدة كبرى هي سب الله وجب تركه , فليس هذا العمل من باب الفروع وإنما هو من باب الأصول والعقائد .
وصلاة الصحابة وراء عثمان-رضي الله عنه- وهو يتم في صلاة كان يقصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ليس من التنازل عن سنة أو عمل فرعي وإنما هو من باب درء المفاسد الكبرى فلو تركوا الصلاة خلف إمام المسلمين لأدى ذلك إلى الخلاف والتنازع وافتراق الأمة وسفك الدماء ).
وقال الشيخ ربيع حفظه الله:( ومما يؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد تنازلوا عن واجبات عظيمة مراعاة لمصالح كبرى , أن رسول الله وأصحابه كانوا قد أهلُّوا بالعمرة في غزوة الحديبية وساقوا هديهم من الإبل وغيرها ومن الواجب عليهم أن يتموا هذه العمرة ومن الواجب عليهم ألا ينحروا هديهم ويحلقوا رؤوسهم إلا بعد الطواف بالبيت وبعد السعي بين الصفا والمروة , والطواف والسعي ركنان في العمرة فمراعاة منهم للمصالح والمفاسد تنازلوا عن القيام بهذه الواجبات والأركان التي أوجبها الله بقوله: ) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ( (البقرة: من الآية196) .
وقوله تعالى :)وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ((البقرة: من الآية196) .
فمن يقول : إنه لا يجوز التنازل عن الواجبات فقد أبعد النجعة عن فقه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفقه سيرته وفقه علماء الشريعة)
وقال الشيخ ربيع حفظه الله ,قال ابن تيمية رحمه الله:( فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها - كما بينته فيما تقدم -: العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط. مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية مثل أن ترفع مذنبا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضررا من ذنبه ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر. فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح وعند التعارض يرجح الراجح -كما تقدم- بحسب الإمكان فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن: إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر. فالعالم في البيان والبلاغ كذلك، قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها ) اهـ المجموع (20/58-59) .
قال الشيخ ربيع معلقا :( وهذا هو الفقه لدين الله فالعالم بدين الله تبارك وتعالى تارة يأمر بالمعروف إذا كانت مصلحة الكلام والأمر راجحة وتارة يسكت ويتنازل عن واجب الأمر بالمعروف إذا كان الكلام يُؤدي إلى مفسدة راجحة)
المصدر:مقال للشيخ
ربيع بعنوان هل يجوز
التنازل عن الواجبات مراعاة للمصالح والمفاسد وعند الحاجات والضرورات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق