الألباني: نعم . . الشيخ عبدُ المُحسن عنده شيء . . تفضل . .
العبَّاد: عن موضوع صيام يوم السبت . . أنت تقول أنَّه لا يُتطوع فيه مُطلقاً أو إذا أُفرد؟
- مُطلقاً؛ إلا في الفرض كما قال، لا أفرق بين إفراده وبين ضمِّه إلى يوم قبله أو يوم بعده، ذاكراً والحمد لله حديث جويرية: ((. . . هل صمت قبله. . هل تصومين بعده؟ قالت: لا)).
- الجُمعة . .
- الجمعة نعم؟
- الذي بعده يوم السبت.
- أنا أقول أنه هذا الحديث مع الذين يقولون بجواز صومه مقروناً بغيره؛ فيوم الجُمُعة . . إذا صام يوم الجمعة صام يوم السبت، هذا حديث جُويرية صريح في هذا ولكننا نجيب بما سبق حول المسألة المتعلقة بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يقطع الصلاة شيء)).
- لا أنا أريد بس ما يتعلق بيوم السبت؛ يعني هل يُتطوع به مقروناً إلى غيره؟
- لا لا، أقول لا بارك الله فيك، ولكن قصدت بكلامي في رجوعي إلى البحث السابق أنَّ حديث جويرية يبيح وحديث لا تصوموا يحظر فيقدم الحاظر على المبيح هذا الذي قصدت إليه حينما رجعت إلى الموضوع السابق.
- بس ألا يُحمل حديث النهي عن صيام يوم السبت، على إفراده بالصيام؟
- الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما لا يخفاكم وأنتم أهل اللغة العربية ومنكم نتعلم، هو قال -عليه السلام-: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم))، إلا فيما افترض عليكم . .
- بس ألا يُحمل على الانفراد؟
- لا، لأنه ناقضٌ للاستثناء، ثم ماذا يقول أهل العلم فيما إذا اتفق يوم السبت مع يوم عيد، لنفترض مثلاً صوم يوم عرفة بعده يليه صوم يوم السبت،
صوم يوم عرفة معروف فيه الفضل لدى طلاب العلم فضلاً عن أمثالكم، فيشرع صيام يوم السبت على الخلاف المعروف لمن كان في عرفة مثلاً السنة ألا يصوم وإنَّما هذه الفضيلة بالنسبة لمن ليس في عرفة، المهم جاء يوم عرفة موافقاً ليوم الجمعة، ثم جاء بعده يوم العيد يوم سبتٍ، فهل يجوز صيام يوم الجمعة نظراً إلى كونه يوم عرفة وصيام يوم السبت الذي هو يوم العيد ونعلم جميعاً أنَّه منهي عنه، بحجة أننا لا نصوم يوم السبت مفرداً لأن الحديث خاصٌ فيما إذا صيم مفرداً؟
ما أعتقد أن أحد من أهل العلم في مثل هذه الصورة -وهي ليست خيالية- بل قد يتفق في كثير من الأحيان أن يكون يوم الجمعة يوم عرفة، والذي يليه بطبيعة الحال هو يوم سبت،
فهل نقول بجواز صوم هذا اليوم لأننا صمنا يوم الجمعة، وبحجة أنَّه يوم عرفة؟ ما أظن أن أحداً يجيز هذا . .
- بس لأنه حرام صوم يوم العيد . .
- إذا سمحت . . هذا كلامكم يلتقي مع كلامي، حين أقول: ما أظن أن أحداً يقول بجواز هذا الصيام، ولكن إذا كان الأمر كذلك؛
فإذن التعليل بالإفراد ليس سليماً، تعليل النهي بالإفراد ليس سليماً، لأنَّه هنا لم يُفرد، ما هو الجواب؟ هو ما تفضلتم به أن النهي عن صيام يوم العيد معروفٌ؛
طيب ما الفرق -بارك الله فيكم- بين نهي ونهيٍ؟
أنا أقول الجواب: الفرق أنَّ النهي عن صوم يوم العيد معروف عند عامة العلماء بل وعامة طلاب العلم،
أمَّا النهي عن صيام يوم السبت؛ فهذا كان مجهولاً، كان مطوياً، كان نسياً منسياً، هذا هو الفرق،
وإلا نهي الرسول عليه السلام هنا وهناك واحد، بل أقول إنَّ نهيه عن صيام يوم السبت آكد من نهيه -عليه الصلاة والسلام- من صوم يوم العيد، ذلك لأنَّ نهيه المتعلق بصوم يوم العيد لا شيء أكثر من هى رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- عن صوم يوم العيد،
أمَّا النهي عن صوم يوم السبت فمقرونٌ بعبارةٍ مؤكدةٍ لهذا النهي، ألا وهو قوله -عليه الصلاة والسلام- : ((ولو لم يجد أحدكم إلاَّ لحاء شجرة فليمضغه -أي فليثبت إفطاره لهذا اليوم اتباعاً لأمر الرسول -عليه السلام- هذا التأكيد إن لم يجعل نهيه -عليه السلام- عن صيام يوم السبت أرقى وأعظم وأخطر من صيام يوم العيد،
فعلى الأقل أن يجعله مساوياً له؛
فلماذا أخيراً يُفرِّقُ أهل العلم بين صيام يوم السبت فيقولون نحمل الحديث على الإفراد، ولماذا لا تحملون النهي عن صيام يوم العيد على الإفراد؟ ذلك لأن النهي حاظرٌ والحاظر مقدمٌ على المبيح، هذه وجهة نظري في المسألة.
- الحديث، حديث جويرية ألا يبيِّن أنَّ المقصود من قوله: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم))، خاصٌ فيما إذا أفرد، لأن حديث جويرية دل أنها صامت يوم السبت مقروناً مع الجمعة، ثم أيضاً قول الرسول -صلى الله عليه وسلَّم-: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوَّال))، إذا صادف لمصلحة يوم السبت ألا يواصل الإنسان الصيام؟ ويكون يعني صام ستاً متوالية وفيها يوم السبت، وكذلك الأيام البيض إذا جاءت واحدة منها يوم السبت، أو وافق يوم عرفة؟
- هذا في اعتقادي بعضه إعادة للكلام السابق، قلنا عن حديث جويرية أنه مبيحٌ، وحديث النهي عن صوم يوم السبت حاظر، والحاظر مقدمٌ على المبيح، صيام ست من شوَّال لا شك أن هذا الصوم معروفٌ فضله، ولكن إذا صدف أنَّ أحد أيام الست هذه اتفق أنَّه يوم سبتٍ، - وأنا شايف الأستاذ هناك ذاهب وقايم وكأنَّه يعني ينتظرنا فاصبر علينا ويعني ما صبرك إلا بالله-
فأقول: إن الذي يريد أن يصوم السبت -كما تقولون- تبعاً ليس إفراداً،
أمَّا أنا فأصوم الأيام الست؛ فإذا اتفق فيها يوم سبتٍ لم أصمه، إذا اتفق يوم جمعة مع الخميس صمته، أمَّا إذا اتفق في هذه الأيام الست يوم سبت فلا أصومه، وفي زعمي وأعني ما أقول- أنا خيرٌ وأهدى سبيلاً وأقوم قيلاً حينما لا أصوم يوم السبت من ذاك الذ يصوم يوم السبت، كيوم من الأيام الست، لماذا؟
لأنني لم أترك صيام يوم السبت هوىً، وابتداعاً في الدين وإنَّما تركته لله تبارك وتعالى ورسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- فيقول كما تعلمون: ((من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه))، فإذاً أنا مفطر، خير من ذاك الصائم، لأنني تركت صوم هذا اليوم لله -عزَّ وجل- والشاهد بارك الله فيكم، أن نتذكر ما ذكرناه من المثال الواضح، الذي لا يقبل جدلاً مطلقاً، إذا اتفق يوم عيد مع يوم فضيلة، هل نصومه؟ الجواب: لا، توجيه هذا الجواب فقهياً ما هو؟ ليس هناك إلا قاعدة الحاظر مقدم على المبيح،
إن كان عند أهل العلم جواب غير هذا؛ فيمكن أن نُعدل رأينا في صيام يوم السبت، أمَّا أن نقع في حيص بيص -كما يقال- فمرَّةً نبيح صيام يوم نهى عن صيامه الرسول -عليه الصلاة والسلام- نهياً مُطلقاً، وخصص إلا فيما افترض عليكم؛ فنقول: وإلاَّ مقروناً بغيره، نتمسك بماذا؟ بأصل، بنص مبيح،
لكن هنا النص حاظرٌ، وحاصرٌ إلاَّ فيما افترض عليكم، فصوم يوم العيد إذا صدف يوم فضيلة صوم يوم عرفة إذا صدف يوم فضيلة هل نصومه مع مخالفة النص الناهي؟ نقول: لا، مفرداً؛ نقول: لا، لماذا؟ لأن النهي مقدم على المبيح، الحاظر مقدم على المبيح، إذاً الذي أجد نفسي مطمئناً أن لا أكون مضطرباً في فقهي في علمي، تارةً أستبيح ما نهى عنه الشارع، بدعوى القرن مع يوم آخر، وتارةً لا أعتد بهذا، مع أنَّ الحكم واضحًٌ تماماً.
- التوفيق بين الأدلة، لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وقوله: أتصومين غداً ؟ قالت: لا، قال : فأفطري. حديث جويرية.
- بارك الله فيك، أقول: هذه إعادة، أنا أعرف أنَّهم يقصدون التوفيق، ولكن لماذا يخرجون عن هذا التوفيق في صوم يوم العيد؟ الجواب منهي عنه.
- نقول: لا يصام أبداً.
- ليش يا سيدي؟ هذا كلام، لكن الجواب العلمي ما هو؟ لأنه نهى الرسول عنه. قلت آنفاً ما هو الجواب العلمي؟ الحاظر مقدم على المبيح، أمَّا أن نقول: نُهي عنه، فالجواب مُقابل بمثله، أيضاً يوم السبت نهي عنه، وقلنا آنفاً: النهي عن يوم السبت أدق، من نهيه عن صوم العيد، لأنَّه قال إلا في ما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه، هذا ليس طعاماً، لحاء الشجرة، القشر الذي لا نداوة فيه، ولا حلاوة ولا شيء إطلاقاً، ولكن ليثبت عملياً تطاوعه مع النص النبوي الكريم، فهو يأكل ويمضغ هذا اللحاء تحقيقاً لنهي الرسول -عليه السلام- .
مداخلة من أحد الجالسين: بس انت يا شيخ ترى أنه يوم عرفة لو صادف السبت فإنَّه لا يصام!
الألباني: سبحان الله!
- السنة أنَّه لا يصام.
- كيف لا؟ لا يصام، وماذا نتكلم؟
- تفوت على المسلمين خيراً كثيرا!
- لقد نسيتَ ما قلناه آنفا.
- لا لم أنسه . .
- لا نسيته!
- لم أنسه . .
- إذاً أثبت لي، ما هو الذي زعمت أنا أنك نسيته؟ هاته؟
- الجمع بين النصوص . .
- لا لا، ليس هذا فقط . .
- الجمع بين النصوص أولى، يعني أنت يا شيخ قبل قليل، كنت تُذكر على هذه القاعدة، وألا يُلجأ إلى تفويت نص وإبطال العمل به إلا في أحلك المضايق، الآن أبطلنا الحديث الصحيح في ال. .
- سامحك الله! لا تقل أبطلنا، لا تقل هذا.
- إذا وافق يوم عرفة يوم سبت . .
- لا هذِّب لفظك، هذب لفظك، مع الحديث، لا تقل . .
- كلام العلماء -رحمهم الله- في التعبير عن . .
- أنت الآن -بارك الله فيك- جئت بشيء جديد غير ما تفضل به الشيخ عبد المُحسن؟
- بل أؤكد عليه.
- ما جئت بجديد.
- لم أئت بجديد.
- لكن الشيء الجديد أنك ألغيت بعض كلامي السابق، بل على تعبيرك ولسان حالك يقول: هذه بضاعتنا ردَّت إلينا، أبطلت أنت قوله عليه السلام: ((من ترك شئاً لله عوضه الله خيراً منه))، نحن تركنا صيام يوم عرفة في مثالك لله -تبارك وتعالى-؛ فهل تظن ظن السوء بالله -عزَّ وجل- أنَّه لا يكافينا بخير مما يكافي الصائمين ليوم عرفة وأنا تركته لله، هذا الذي قلت لك أنك نسيته . .
- ما نسيته يا شيخ، لا لم أنسه.
- ولكن لما طلبتك ما أبديت.
مُداخلٌ آخر: المثال الذي يعني الشيخ ذكره من أنه يوم العيد يعني لو وافق يوم الإثنين، أو يوم الخميس، الحقيقة يعني أنَّ هذا، يجعل . . وإن كنت سابقاً يعني لا أتفق مع الشيخ، ولكن هذا الاستدلال الآن . .
- الألباني: لا هذا واضح بارك الله فيك، لكن الناس يغلب ..
- ولكن هذا صيام فضيلة واضح جداً، إذا وافق يوم عيد لا يُصام . .
- مُداخل من شخص يجلس بعيداً عن المسجل: هذا ينطبق على قاعدة الحاظر مُقدمٌ على المبيح تماماً.
الألباني: لا مش تماماً، مش تمام، وإنَّما تارةً وتارة.
العبَّاد: فضيلة الشيخ -حفظكم الله- لا أدري هل تعلمون أحداً من العلماء قال: لا يجوز صيام يوم السبت تطوُّعاً مُطلقا لا منفرداً ولا مقروناً بغيره؟
الألباني: أولاً أقول لكم، إن كنت تعتبر راوي الحديث من العلماء، فالجواب نعم.
العبَّاد: أقول غيركم من القدماء.
الألباني: نعم، أقول: راوي الحديث، الصحابي.
العبَّاد: لا بس الصحابي ما قال أنَّه فهم كفهمكم.
- ماذا قال؟
- جاب الحديث ويمكن أن يكون محمولاً على ما يتفق مع حديث جويرية.
- لا ليس كذلك، أنا أعني شيئاً آخر، وهو أنَّه يقول: إنَّ الذي يصوم يوم السبت، لا صام ولا أفطر.
- هذا محمول يعني على أنه إذا أفرده بالصيام.
- هذا محمول عندك.
- أمَّا نحن نتكلم عنده.
- وعند غيره أيضاً كذلك.
- لا لا، أنا أقول عن راوي الحديث. هذا المحمول هو عندك، ما فيه خلاف.
- رواي الحديث . . هذا لا ينطبق إلا على من يقول يعني قضى يعني شيء واجب عليه، وأمَّا إذا كان [كلام سريع] فقضى شيئاً يعني واجباً عليه فلا يتطوع به إلا مقروناً مع غيره كيوم الجمعة.
- على كل حال، ما تؤاخذني يا شيخ عبد المحسن. .
- لا ما فيه مؤاخذة.
- إذا قلت أنَّ هذا تكرار بارك الله فيك، أنت الآن أخيراً سألتني: هل قال أحد بهذا؟
أنا أقول نعم قال به كثير من المتقدمين والمتأخرين، لكنني علوت فرجعت إلى راوي الحديث، وقلت إنه قال: (( بأنَّ الذي يصوم يوم السبت لا صام ولا أفطر))، وهذا اقتباسٌ منه من قوله عليه الصلاة والسلام في من صام الدهر: (( لا صام ولا أفطر))، فهل تأمرون صائم الدهر بأن يصوم أم بأن يفطر؟ لا شك بأن قولكم في هذه المسألة أنكم تأمرونه بأن لا يصوم الدهر . .
مقاطعٌ يتكلم: الحديث . .
الألباني: إذا سمحت، إذا سمحت، الكلام الآن مع الشيخ عبد المحسن.
المقاطع: تفضل . .
الألباني: ما أظن أنكم تخيرون، أو بالأحرى أنَّكم ترجحون صيام يوم الدهر لانَّه صيام وتقرُّب إلى الله -عزَّ وجل- مع علمكم بقوله-عليه السلام-: ((من صام الدهر فلا صام ولا أفطر))؛ فإذن صيام الدهر مرجوحٌ، كذلك حينما نعود إلى راوي الحديث فيقول: (( من صام يوم السبت فلا صام ولا أفطر))، فماذا نفهم من هذا الحديث؟ أنَّه يحض على صيام يوم السبت؟ أم على إفطاره؟
- العبَّاد: على إفطاره إذا أفرده، يعني الإفراد فعليه أن يفطر.
- يا شيخ أنت -جزاك الله خير- تفرض على راوي الحديث ما هو قائمٌ في ذهنك.
- العبَّاد مقاطعاً: . . إذا سمحت، معليش، أنا أريدك أن تأتي بعبارة تضمها إلى عبارة هذا الراوي تلتقي هذه العبارة مع عبارتك، أمَّا أن تحمل قوله على عبارتك أنت، فهذا تحميلٌ للعبارة ما لا تتحمل، على أني أقول أخيراً، قول الرسول -عليه السلام- أبلغ عندي وأفصح وآكد في النهي من قول هذا الراوي، لكن الراوي نستطيع أن نقول: تفنن في التعبير، ولفت النظر إلى قول الرسول -عليه السلام- : ((من صام الدهر فلا صام ولا أفطر))، تفنن في التعبير: أي ليس له أجر، وليس له ثواب، هذا الكلام من هذا الرواي انا في الحقيقة مما يفيدني جداً، ويُفضل إفطاري على صيام الآخرين، ذلك لأن هذا الصحابي يقول: صيام الآخرين كصيام الدهر، لا صام ولا أفطر، أمَّا أنا فتركت صيام يوم السبت لله، فالله يعوضني خيراً منه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مُداخل: حديث صيام يوم وإفطار يوم ما يختلف على هذا؟
الألباني وهو يقوم من المجلس: بارك الله فيك، لا تزال تدور في النصوص العامة، في فلك النص العام، النص العام تطرأ عليه النصوص، وهذا ما كنا نتكلم فيه.
الألباني: أعتذر عن الشيخ فإني تقدمت بين يديك.
العبَّاد: وأنت أكبر مني سناً وعلماً" انتهى بحمد الله .
سلسلة الهدى والنور الشريط 365
منقول للفائدة
العبَّاد: عن موضوع صيام يوم السبت . . أنت تقول أنَّه لا يُتطوع فيه مُطلقاً أو إذا أُفرد؟
- مُطلقاً؛ إلا في الفرض كما قال، لا أفرق بين إفراده وبين ضمِّه إلى يوم قبله أو يوم بعده، ذاكراً والحمد لله حديث جويرية: ((. . . هل صمت قبله. . هل تصومين بعده؟ قالت: لا)).
- الجُمعة . .
- الجمعة نعم؟
- الذي بعده يوم السبت.
- أنا أقول أنه هذا الحديث مع الذين يقولون بجواز صومه مقروناً بغيره؛ فيوم الجُمُعة . . إذا صام يوم الجمعة صام يوم السبت، هذا حديث جُويرية صريح في هذا ولكننا نجيب بما سبق حول المسألة المتعلقة بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يقطع الصلاة شيء)).
- لا أنا أريد بس ما يتعلق بيوم السبت؛ يعني هل يُتطوع به مقروناً إلى غيره؟
- لا لا، أقول لا بارك الله فيك، ولكن قصدت بكلامي في رجوعي إلى البحث السابق أنَّ حديث جويرية يبيح وحديث لا تصوموا يحظر فيقدم الحاظر على المبيح هذا الذي قصدت إليه حينما رجعت إلى الموضوع السابق.
- بس ألا يُحمل حديث النهي عن صيام يوم السبت، على إفراده بالصيام؟
- الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما لا يخفاكم وأنتم أهل اللغة العربية ومنكم نتعلم، هو قال -عليه السلام-: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم))، إلا فيما افترض عليكم . .
- بس ألا يُحمل على الانفراد؟
- لا، لأنه ناقضٌ للاستثناء، ثم ماذا يقول أهل العلم فيما إذا اتفق يوم السبت مع يوم عيد، لنفترض مثلاً صوم يوم عرفة بعده يليه صوم يوم السبت،
صوم يوم عرفة معروف فيه الفضل لدى طلاب العلم فضلاً عن أمثالكم، فيشرع صيام يوم السبت على الخلاف المعروف لمن كان في عرفة مثلاً السنة ألا يصوم وإنَّما هذه الفضيلة بالنسبة لمن ليس في عرفة، المهم جاء يوم عرفة موافقاً ليوم الجمعة، ثم جاء بعده يوم العيد يوم سبتٍ، فهل يجوز صيام يوم الجمعة نظراً إلى كونه يوم عرفة وصيام يوم السبت الذي هو يوم العيد ونعلم جميعاً أنَّه منهي عنه، بحجة أننا لا نصوم يوم السبت مفرداً لأن الحديث خاصٌ فيما إذا صيم مفرداً؟
ما أعتقد أن أحد من أهل العلم في مثل هذه الصورة -وهي ليست خيالية- بل قد يتفق في كثير من الأحيان أن يكون يوم الجمعة يوم عرفة، والذي يليه بطبيعة الحال هو يوم سبت،
فهل نقول بجواز صوم هذا اليوم لأننا صمنا يوم الجمعة، وبحجة أنَّه يوم عرفة؟ ما أظن أن أحداً يجيز هذا . .
- بس لأنه حرام صوم يوم العيد . .
- إذا سمحت . . هذا كلامكم يلتقي مع كلامي، حين أقول: ما أظن أن أحداً يقول بجواز هذا الصيام، ولكن إذا كان الأمر كذلك؛
فإذن التعليل بالإفراد ليس سليماً، تعليل النهي بالإفراد ليس سليماً، لأنَّه هنا لم يُفرد، ما هو الجواب؟ هو ما تفضلتم به أن النهي عن صيام يوم العيد معروفٌ؛
طيب ما الفرق -بارك الله فيكم- بين نهي ونهيٍ؟
أنا أقول الجواب: الفرق أنَّ النهي عن صوم يوم العيد معروف عند عامة العلماء بل وعامة طلاب العلم،
أمَّا النهي عن صيام يوم السبت؛ فهذا كان مجهولاً، كان مطوياً، كان نسياً منسياً، هذا هو الفرق،
وإلا نهي الرسول عليه السلام هنا وهناك واحد، بل أقول إنَّ نهيه عن صيام يوم السبت آكد من نهيه -عليه الصلاة والسلام- من صوم يوم العيد، ذلك لأنَّ نهيه المتعلق بصوم يوم العيد لا شيء أكثر من هى رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- عن صوم يوم العيد،
أمَّا النهي عن صوم يوم السبت فمقرونٌ بعبارةٍ مؤكدةٍ لهذا النهي، ألا وهو قوله -عليه الصلاة والسلام- : ((ولو لم يجد أحدكم إلاَّ لحاء شجرة فليمضغه -أي فليثبت إفطاره لهذا اليوم اتباعاً لأمر الرسول -عليه السلام- هذا التأكيد إن لم يجعل نهيه -عليه السلام- عن صيام يوم السبت أرقى وأعظم وأخطر من صيام يوم العيد،
فعلى الأقل أن يجعله مساوياً له؛
فلماذا أخيراً يُفرِّقُ أهل العلم بين صيام يوم السبت فيقولون نحمل الحديث على الإفراد، ولماذا لا تحملون النهي عن صيام يوم العيد على الإفراد؟ ذلك لأن النهي حاظرٌ والحاظر مقدمٌ على المبيح، هذه وجهة نظري في المسألة.
- الحديث، حديث جويرية ألا يبيِّن أنَّ المقصود من قوله: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم))، خاصٌ فيما إذا أفرد، لأن حديث جويرية دل أنها صامت يوم السبت مقروناً مع الجمعة، ثم أيضاً قول الرسول -صلى الله عليه وسلَّم-: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوَّال))، إذا صادف لمصلحة يوم السبت ألا يواصل الإنسان الصيام؟ ويكون يعني صام ستاً متوالية وفيها يوم السبت، وكذلك الأيام البيض إذا جاءت واحدة منها يوم السبت، أو وافق يوم عرفة؟
- هذا في اعتقادي بعضه إعادة للكلام السابق، قلنا عن حديث جويرية أنه مبيحٌ، وحديث النهي عن صوم يوم السبت حاظر، والحاظر مقدمٌ على المبيح، صيام ست من شوَّال لا شك أن هذا الصوم معروفٌ فضله، ولكن إذا صدف أنَّ أحد أيام الست هذه اتفق أنَّه يوم سبتٍ، - وأنا شايف الأستاذ هناك ذاهب وقايم وكأنَّه يعني ينتظرنا فاصبر علينا ويعني ما صبرك إلا بالله-
فأقول: إن الذي يريد أن يصوم السبت -كما تقولون- تبعاً ليس إفراداً،
أمَّا أنا فأصوم الأيام الست؛ فإذا اتفق فيها يوم سبتٍ لم أصمه، إذا اتفق يوم جمعة مع الخميس صمته، أمَّا إذا اتفق في هذه الأيام الست يوم سبت فلا أصومه، وفي زعمي وأعني ما أقول- أنا خيرٌ وأهدى سبيلاً وأقوم قيلاً حينما لا أصوم يوم السبت من ذاك الذ يصوم يوم السبت، كيوم من الأيام الست، لماذا؟
لأنني لم أترك صيام يوم السبت هوىً، وابتداعاً في الدين وإنَّما تركته لله تبارك وتعالى ورسول الله -صلى الله عليه وسلَّم- فيقول كما تعلمون: ((من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه))، فإذاً أنا مفطر، خير من ذاك الصائم، لأنني تركت صوم هذا اليوم لله -عزَّ وجل- والشاهد بارك الله فيكم، أن نتذكر ما ذكرناه من المثال الواضح، الذي لا يقبل جدلاً مطلقاً، إذا اتفق يوم عيد مع يوم فضيلة، هل نصومه؟ الجواب: لا، توجيه هذا الجواب فقهياً ما هو؟ ليس هناك إلا قاعدة الحاظر مقدم على المبيح،
إن كان عند أهل العلم جواب غير هذا؛ فيمكن أن نُعدل رأينا في صيام يوم السبت، أمَّا أن نقع في حيص بيص -كما يقال- فمرَّةً نبيح صيام يوم نهى عن صيامه الرسول -عليه الصلاة والسلام- نهياً مُطلقاً، وخصص إلا فيما افترض عليكم؛ فنقول: وإلاَّ مقروناً بغيره، نتمسك بماذا؟ بأصل، بنص مبيح،
لكن هنا النص حاظرٌ، وحاصرٌ إلاَّ فيما افترض عليكم، فصوم يوم العيد إذا صدف يوم فضيلة صوم يوم عرفة إذا صدف يوم فضيلة هل نصومه مع مخالفة النص الناهي؟ نقول: لا، مفرداً؛ نقول: لا، لماذا؟ لأن النهي مقدم على المبيح، الحاظر مقدم على المبيح، إذاً الذي أجد نفسي مطمئناً أن لا أكون مضطرباً في فقهي في علمي، تارةً أستبيح ما نهى عنه الشارع، بدعوى القرن مع يوم آخر، وتارةً لا أعتد بهذا، مع أنَّ الحكم واضحًٌ تماماً.
- التوفيق بين الأدلة، لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وقوله: أتصومين غداً ؟ قالت: لا، قال : فأفطري. حديث جويرية.
- بارك الله فيك، أقول: هذه إعادة، أنا أعرف أنَّهم يقصدون التوفيق، ولكن لماذا يخرجون عن هذا التوفيق في صوم يوم العيد؟ الجواب منهي عنه.
- نقول: لا يصام أبداً.
- ليش يا سيدي؟ هذا كلام، لكن الجواب العلمي ما هو؟ لأنه نهى الرسول عنه. قلت آنفاً ما هو الجواب العلمي؟ الحاظر مقدم على المبيح، أمَّا أن نقول: نُهي عنه، فالجواب مُقابل بمثله، أيضاً يوم السبت نهي عنه، وقلنا آنفاً: النهي عن يوم السبت أدق، من نهيه عن صوم العيد، لأنَّه قال إلا في ما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه، هذا ليس طعاماً، لحاء الشجرة، القشر الذي لا نداوة فيه، ولا حلاوة ولا شيء إطلاقاً، ولكن ليثبت عملياً تطاوعه مع النص النبوي الكريم، فهو يأكل ويمضغ هذا اللحاء تحقيقاً لنهي الرسول -عليه السلام- .
مداخلة من أحد الجالسين: بس انت يا شيخ ترى أنه يوم عرفة لو صادف السبت فإنَّه لا يصام!
الألباني: سبحان الله!
- السنة أنَّه لا يصام.
- كيف لا؟ لا يصام، وماذا نتكلم؟
- تفوت على المسلمين خيراً كثيرا!
- لقد نسيتَ ما قلناه آنفا.
- لا لم أنسه . .
- لا نسيته!
- لم أنسه . .
- إذاً أثبت لي، ما هو الذي زعمت أنا أنك نسيته؟ هاته؟
- الجمع بين النصوص . .
- لا لا، ليس هذا فقط . .
- الجمع بين النصوص أولى، يعني أنت يا شيخ قبل قليل، كنت تُذكر على هذه القاعدة، وألا يُلجأ إلى تفويت نص وإبطال العمل به إلا في أحلك المضايق، الآن أبطلنا الحديث الصحيح في ال. .
- سامحك الله! لا تقل أبطلنا، لا تقل هذا.
- إذا وافق يوم عرفة يوم سبت . .
- لا هذِّب لفظك، هذب لفظك، مع الحديث، لا تقل . .
- كلام العلماء -رحمهم الله- في التعبير عن . .
- أنت الآن -بارك الله فيك- جئت بشيء جديد غير ما تفضل به الشيخ عبد المُحسن؟
- بل أؤكد عليه.
- ما جئت بجديد.
- لم أئت بجديد.
- لكن الشيء الجديد أنك ألغيت بعض كلامي السابق، بل على تعبيرك ولسان حالك يقول: هذه بضاعتنا ردَّت إلينا، أبطلت أنت قوله عليه السلام: ((من ترك شئاً لله عوضه الله خيراً منه))، نحن تركنا صيام يوم عرفة في مثالك لله -تبارك وتعالى-؛ فهل تظن ظن السوء بالله -عزَّ وجل- أنَّه لا يكافينا بخير مما يكافي الصائمين ليوم عرفة وأنا تركته لله، هذا الذي قلت لك أنك نسيته . .
- ما نسيته يا شيخ، لا لم أنسه.
- ولكن لما طلبتك ما أبديت.
مُداخلٌ آخر: المثال الذي يعني الشيخ ذكره من أنه يوم العيد يعني لو وافق يوم الإثنين، أو يوم الخميس، الحقيقة يعني أنَّ هذا، يجعل . . وإن كنت سابقاً يعني لا أتفق مع الشيخ، ولكن هذا الاستدلال الآن . .
- الألباني: لا هذا واضح بارك الله فيك، لكن الناس يغلب ..
- ولكن هذا صيام فضيلة واضح جداً، إذا وافق يوم عيد لا يُصام . .
- مُداخل من شخص يجلس بعيداً عن المسجل: هذا ينطبق على قاعدة الحاظر مُقدمٌ على المبيح تماماً.
الألباني: لا مش تماماً، مش تمام، وإنَّما تارةً وتارة.
العبَّاد: فضيلة الشيخ -حفظكم الله- لا أدري هل تعلمون أحداً من العلماء قال: لا يجوز صيام يوم السبت تطوُّعاً مُطلقا لا منفرداً ولا مقروناً بغيره؟
الألباني: أولاً أقول لكم، إن كنت تعتبر راوي الحديث من العلماء، فالجواب نعم.
العبَّاد: أقول غيركم من القدماء.
الألباني: نعم، أقول: راوي الحديث، الصحابي.
العبَّاد: لا بس الصحابي ما قال أنَّه فهم كفهمكم.
- ماذا قال؟
- جاب الحديث ويمكن أن يكون محمولاً على ما يتفق مع حديث جويرية.
- لا ليس كذلك، أنا أعني شيئاً آخر، وهو أنَّه يقول: إنَّ الذي يصوم يوم السبت، لا صام ولا أفطر.
- هذا محمول يعني على أنه إذا أفرده بالصيام.
- هذا محمول عندك.
- أمَّا نحن نتكلم عنده.
- وعند غيره أيضاً كذلك.
- لا لا، أنا أقول عن راوي الحديث. هذا المحمول هو عندك، ما فيه خلاف.
- رواي الحديث . . هذا لا ينطبق إلا على من يقول يعني قضى يعني شيء واجب عليه، وأمَّا إذا كان [كلام سريع] فقضى شيئاً يعني واجباً عليه فلا يتطوع به إلا مقروناً مع غيره كيوم الجمعة.
- على كل حال، ما تؤاخذني يا شيخ عبد المحسن. .
- لا ما فيه مؤاخذة.
- إذا قلت أنَّ هذا تكرار بارك الله فيك، أنت الآن أخيراً سألتني: هل قال أحد بهذا؟
أنا أقول نعم قال به كثير من المتقدمين والمتأخرين، لكنني علوت فرجعت إلى راوي الحديث، وقلت إنه قال: (( بأنَّ الذي يصوم يوم السبت لا صام ولا أفطر))، وهذا اقتباسٌ منه من قوله عليه الصلاة والسلام في من صام الدهر: (( لا صام ولا أفطر))، فهل تأمرون صائم الدهر بأن يصوم أم بأن يفطر؟ لا شك بأن قولكم في هذه المسألة أنكم تأمرونه بأن لا يصوم الدهر . .
مقاطعٌ يتكلم: الحديث . .
الألباني: إذا سمحت، إذا سمحت، الكلام الآن مع الشيخ عبد المحسن.
المقاطع: تفضل . .
الألباني: ما أظن أنكم تخيرون، أو بالأحرى أنَّكم ترجحون صيام يوم الدهر لانَّه صيام وتقرُّب إلى الله -عزَّ وجل- مع علمكم بقوله-عليه السلام-: ((من صام الدهر فلا صام ولا أفطر))؛ فإذن صيام الدهر مرجوحٌ، كذلك حينما نعود إلى راوي الحديث فيقول: (( من صام يوم السبت فلا صام ولا أفطر))، فماذا نفهم من هذا الحديث؟ أنَّه يحض على صيام يوم السبت؟ أم على إفطاره؟
- العبَّاد: على إفطاره إذا أفرده، يعني الإفراد فعليه أن يفطر.
- يا شيخ أنت -جزاك الله خير- تفرض على راوي الحديث ما هو قائمٌ في ذهنك.
- العبَّاد مقاطعاً: . . إذا سمحت، معليش، أنا أريدك أن تأتي بعبارة تضمها إلى عبارة هذا الراوي تلتقي هذه العبارة مع عبارتك، أمَّا أن تحمل قوله على عبارتك أنت، فهذا تحميلٌ للعبارة ما لا تتحمل، على أني أقول أخيراً، قول الرسول -عليه السلام- أبلغ عندي وأفصح وآكد في النهي من قول هذا الراوي، لكن الراوي نستطيع أن نقول: تفنن في التعبير، ولفت النظر إلى قول الرسول -عليه السلام- : ((من صام الدهر فلا صام ولا أفطر))، تفنن في التعبير: أي ليس له أجر، وليس له ثواب، هذا الكلام من هذا الرواي انا في الحقيقة مما يفيدني جداً، ويُفضل إفطاري على صيام الآخرين، ذلك لأن هذا الصحابي يقول: صيام الآخرين كصيام الدهر، لا صام ولا أفطر، أمَّا أنا فتركت صيام يوم السبت لله، فالله يعوضني خيراً منه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مُداخل: حديث صيام يوم وإفطار يوم ما يختلف على هذا؟
الألباني وهو يقوم من المجلس: بارك الله فيك، لا تزال تدور في النصوص العامة، في فلك النص العام، النص العام تطرأ عليه النصوص، وهذا ما كنا نتكلم فيه.
الألباني: أعتذر عن الشيخ فإني تقدمت بين يديك.
العبَّاد: وأنت أكبر مني سناً وعلماً" انتهى بحمد الله .
سلسلة الهدى والنور الشريط 365
منقول للفائدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق